ما شاء» (١)(وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً) مخالفة للشرع (يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ) أي : نصيب من الوزر (مِنْها) أي : بسببها (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً) قال ابن عباس مقتدرا مجازيا قال الشاعر (٢) :
وذي ضغن (أي : رب صاحب حقد) كففت الضغن عنه
وكنت على إساءته (أي : إساءتي لذي الضغن) مقيتا
أي : مقتدرا وقال مجاهد : شاهدا وقال قتادة : حفيظا ، وقيل : معناه على كل حيوان مقيتا أي : يوصل القوت إليه ، وجاء في الحديث : «كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت» (٣).
(وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها) التحية هي دعاء الحياة ، ولكن جمهور المفسرين على أن ذلك في السّلام أي : إذا سلم عليكم مسلم فأجيبوه بأحسن مما سلم فإذا قال : السّلام عليكم ، فيزيد الرادّ : ورحمة الله ، فإذا قال : ورحمة الله ، فيزيد الرادّ : وبركاته (أَوْ رُدُّوها) أي : بأن تردّ عليه بمثل ما سلم.
روي أنّ رجلا قال لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : السّلام عليك فقال : «وعليك السّلام ورحمة الله» وقال آخر : السّلام عليك ورحمة الله فقال : «وعليك السّلام ورحمة الله وبركاته» وقال آخر : السّلام عليك ورحمة الله وبركاته فقال : «وعليك أي : السّلام ورحمة الله وبركاته فقال الرجل : نقصتني أي : الفضل على سلامي ، فأين ما قال الله أي : من الفضل؟ وتلا الآية فقال : «لم تترك لي فضلا فرددت عليك مثله» (٤) لأنّ ذلك هو النهاية لاستجماعه أقسام المطالب وهي السلامة من المضار وحصول المنافع وثبوتها ، وظاهر الآية إنه لو رد عليه بأقل مما سلم عليه به إنه لا يكفي ، وظاهر كلام الفقهاء إنه يكفي ، وتحمل الآية على أنه الأكمل وابتداء السّلام على المسلم سنة عين من المنفرد وكفاية من الجماعة ، وردّه فرض عين إذا كان المسلم عليه واحدا ، وكفاية من الجماعة ، ويشترط في الردّ الفور ، والجواب مستفاد من الأمر ، والفور من الفاء ، وأمّا كونه كفاية فلخبر أبي داود «يجزىء عن الجماعة إذا مرّوا أن يسلم أحدهم ويجزىء عن الجلوس أن يردّ أحدهم» (٥) والراد منهم هو المختص بالثواب ويسقط الحرج عن الباقين ، وإن أجابوا كلهم كانوا مؤدّين للفرض سواء أكانوا مجتمعين أم متفرّقين كصلاة الجنازة ، ولا يسقط الفرض بردّ الصبيّ المميز.
فإن قيل : قد سقط به فرض الصلاة عن الجنازة ، أجيب : بأن المقصود من الصلاة الدعاء والصبيّ أقرب إلى الإجابة والمقصود من السّلام الأمان والصبيّ ليس من أهله ، ولا يسقط أيضا بردّ من لم يسمع ، ولو سلم على امرأة إن كان يباح له النظر إليها كمحرمة وزوجته يسنّ له السّلام
__________________
(١) أخرجه البخاري في الزكاة حديث ١٤٣٤ ، ومسلم في البر حديث ٢٦٢٧.
(٢) يروى البيت بلفظ :
وذي ضغن كففت النفس عنه |
|
وكنت على مساءته مقيتا |
والبيت من الوافر ، وهو لأبي قيس بن رفاعة ، أو للزبير بن عبد المطلب في لسان العرب (قوت) ، وتاج العروس (قوت) ، والتنبيه والإيضاح ١ / ١٧٠ ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٤٠٧ ، والمخصص ٢ / ٩١ ، ومقاييس اللغة ٥ / ٣٨ ، وإصلاح المنطق ص ٢٧٦ ، وتهذيب اللغة ٩ / ٢٥٥.
(٣) أخرجه مسلم في الزكاة حديث ٩٩٦ ، وأبو داود في الزكاة حديث ١٦٩٢.
(٤) أخرجه بنحوه الهيثمي في مجمع الزوائد ١٢٧٤٨.
(٥) أخرجه أبو داود في الأدب حديث ٥٢١٠.