عليها ، ووجب عليها الردّ وإلا كره له ابتداء وردّا وحرم عليها ابتداء وردّ هذا إذا كانت مشتهاة ، فإن كانت عجوزا أو جماعة نسوة لم يكره ، ويجب الردّ لانتفاء خوف الفتنة ، ولا يسنّ ابتداؤه على قاضي حاجة ولا على آكل ولا على من في حمام ولا على مصلّ ومؤذن وخطيب وملب ومستغرق القلب بالدعاء ، ولا يجب الجواب عليهم ، ويحرم ابتداؤه على الكافر ، ويرد عليه إذا سلم بعليك فقط ، وهذا باب طويل قد بينته السنة وقد أكثرت منه في شرح المنهاج (إِنَّ اللهَ كانَ) أي : أزلا وأبدا (عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً) أي : محاسبا فيجازي عليه ، وقال مجاهد : حفيظا ، وقال أبو عبيدة : كافيا ، يقال : حسبي هذا أي : كفاني وقوله تعالى :
(اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) مبتدأ وخبر وقوله تعالى : (لَيَجْمَعَنَّكُمْ) اللام لام القسم أي : والله ليجمعنكم الله من قبوركم (إِلى) في (يَوْمِ الْقِيامَةِ) وسميت بذلك ؛ لأنّ الناس يقومون من قبورهم قال تعالى : (يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً) [المعارج ، ٤٣] وقيل : لقيامهم إلى الحساب قال تعالى : (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) [المطففين ، ٦] (لا رَيْبَ) أي : لا شك (فِيهِ) أي : في ذلك اليوم أو في الجمع (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثاً) أي : قولا.
فإن قيل : الصدق لا يتفاوت كالعلم إذ لا يقال : هذا الصدق أصدق من هذا الصدق كما لا يقال : هذا العلم أعلم من هذا المعلم ، أجيب : بأنّ الصدق صفة للقائل لا صفة للحديث أي : لا أحد غير الله أصدق منه ؛ لأنّ غيره يتطرّق إلى خبره الكذب ، وذلك مستحيل في حقه تعالى ، والأنبياء مخبرون عن الله تعالى ، وقرأ حمزة والكسائيّ بإشمام الصاد أي : بحرف متولد بين الصاد والزاي (فَما لَكُمْ) أي : فما شأنكم صرتم (فِي الْمُنافِقِينَ) أي : في أمرهم (فِئَتَيْنِ) أي : فرقتين ولم تتفقوا على كفرهم وذلك أن ناسا منهم استأذنوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الخروج إلى البدو لاجتواء المدينة فلما خرجوا لم يزالوا راحلين مرحلة مرحلة حتى لحقوا المشركين ، فاختلف المسلمون في إسلامهم ، وقال مجاهد : هم قوم خرجوا إلى المدينة وأسلموا ، ثم استأذنوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الخروج إلى مكة ليأتوا ببضائع لهم يتجرون فيها فخرجوا وأقاموا بمكة ، واختلف المسلمون فيهم فقائل يقول : هم منافقون ، وقائل يقول : هم مؤمنون ، وقال قوم : في الذين تخلفوا يوم أحد من المنافقين ، فلما رجعوا قال بعض الصحابة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : اقتلهم فإنهم منافقون ، وقال بعضهم : اعف عنهم فإنهم تكلموا بالإسلام.
(وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ) أي : نكسهم بأن صيرهم إلى النار أو ردّهم إلى حكم الكفرة (بِما كَسَبُوا) من الكفر والمعاصي (أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ) أي : أتعدّونهم من جملة المهتدين والاستفهام في الموضعين للإنكار (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ) أي : ومن يضله الله (فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) أي : طريقا إلى الهدى.
(وَدُّوا) أي : تمنوا (لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ) أنتم وهم (سَواءً) في الكفر.
تنبيه : قوله تعالى : (فَتَكُونُونَ) لم يرد به جواب التمني ؛ لأنّ جوابه بالفاء منصوب وإنما أراد النسق أي : ودّوا لو تكفرون وودّوا لو تكونون سواء مثل قوله : (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) [القلم ، ٩] أي : ودّوا لو تدهن وودّوا لو يدهنون (فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ) أي : فلا توالوهم وإن أظهروا الإيمان (حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) معكم هجرة صحيحة تحقق إيمانهم ، قال عكرمة : هي هجرة أخرى ، والهجرة على ثلاثة أوجه : هجرة المؤمنين في أوّل الإسلام وهي قوله تعالى : (لِلْفُقَراءِ