الْمُهاجِرِينَ) وقوله تعالى : (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ) [النساء ، ١٠٠] ونحوهما من الآيات ، وهجرة المنافقين وهي خروج الشخص مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم صابرا محتسبا لا لأغراض الدنيا وهي المرادة ههنا ، وهجرة عن جميع المعاصي قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «المهاجرين من هجر ما نهى الله عنه» (١)(فَإِنْ تَوَلَّوْا) أي : أعرضوا عن التوحيد والهجرة وأقاموا على ما هم عليه (فَخُذُوهُمْ) أي : بالأسر (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) أي : في حلّ أو في حرم كسائر الكفرة (وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا) توالونه (وَلا نَصِيراً) تنتصرون به على عدوّكم أي : بل جانبوهم مجانبة كلية ، وقوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ) استثناء من قوله : (فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ) أي : إلا الذين يصلون أي : ينتهون (إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ) أي : عهد بالأمان لهم ولمن وصل إليهم كما عهد النبيّ صلىاللهعليهوسلم وقت خروجه إلى مكة هلال بن عمير الأسلمي على أن لا يعينه ولا يعين عليه ، ومن لجأ إليه فله من الجوار مثل ما له ، وقوله تعالى : (أَوْ جاؤُكُمْ) عطف على الصلة أي : أو الذين جاؤوكم ، وقوله تعالى : (حَصِرَتْ) أي : ضاقت حال بإضمار قد أي : وقد ضاقت (صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ) أي : عن قتالكم مع قومهم (أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ) معكم أي : ممسكين عن قتالكم وقتالهم فلا تتعرّضوا لهم بأخذ ولا قتل ، وهذا وما بعده منسوخ بآية القتال.
وقرأ نافع وابن كثير وعاصم بإظهار تاء تأنيث حصرت عند الصاد وأدغمها الباقون (وَلَوْ شاءَ اللهُ) تسليطهم عليكم (لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ) بأن يقوّي قلوبهم ويبسط صدورهم ويزيل الرعب (فَلَقاتَلُوكُمْ) ولكنه لم يشأه فألقى في قلوبهم الرعب (فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ) أي : بأن لم يتعرّضوا لكم (وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ) أي : الاستسلام والانقياد (فَما جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً) أي : طريقا بالأخذ أو القتل.
(سَتَجِدُونَ) أي : عن قريب بوعد لا شك فيه (آخَرِينَ) أي : من المنافقين. روي عن ابن عباس أنه قال : هم أسد وغطفان كانوا حاضري المدينة تكلموا بالإسلام رياء وهم غير مسلمين وكان الرجل منهم يقول له قومه : بماذا أسلمت؟ فيقول : آمنت بهذا القرد وبهذا العقرب والخنفساء ، وإذا لقوا أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوسلم قالوا : إنا على دينكم يريدون بذلك الأمن من الفريقين كما قال تعالى : (يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ) بإظهار الإيمان عندكم (وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ) بإظهار الكفر إذا رجعوا إليهم (كُلَّما رُدُّوا) أي : دعوا (إِلَى الْفِتْنَةِ) أي : الكفر (أُرْكِسُوا) أي : انقلبوا منكوسين (فِيها) أي : الفتنة أقبح قلب (فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ) أي : بترك قتالكم (وَيُلْقُوا) أي : ولم يلقوا (إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا) أي : ولم يكفوا (أَيْدِيَهُمْ) عن قتالكم (فَخُذُوهُمْ) أي : بالأسر (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) أي : وجدتموهم (وَأُولئِكُمْ) أي : أهل هذه الصفة (جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً) أي : حجة واضحة في التعرّض لهم بالقتل والسبي لظهور عداوتهم ووضوح كفرهم.
(وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ
__________________
(١) أخرجه البخاري في الإيمان حديث ١٠ ، وأبو داود في الجهاد حديث ٢٤٨١ ، والنسائي في الإيمان حديث ٤٩٩٦.