(إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ) أي : بإظهارهم خلاف ما يبطنونه من الكفر ليدفعوا عنهم أحكامهم الدنيوية (وَهُوَ خادِعُهُمْ) أي : مجازيهم على خداعهم فيفضحهم في الدنيا باطلاع نبيه على ما أبطنوه ويعاقبهم في الآخرة (وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ) مع المؤمنين (قامُوا كُسالى) أي : متثاقلين كالمكرهين على الفعل (يُراؤُنَ النَّاسَ) بصلاتهم ليظنوهم مؤمنين (وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ) أي : ولا يصلون (إِلَّا قَلِيلاً) أي : حين يتعين ذلك طريقا لمخادعتهم ولا يصلون غائبين قط عن عيون الناس وما يجهرون به أيضا إلا قليلا ؛ لأنهم ما وجدوا مندوحة عن تكلف ما ليس في قلوبهم لم يتكلفوه ويجوز أن يراد بالقلة العدم.
فإن قيل : أما معنى المراآة وهي مفاعلة من الرؤية؟ أجيب : بأنّ المرائي يريهم عمله وهم يرون استحسانه ، وقوله تعالى :
(مُذَبْذَبِينَ) حال من واو يراؤن أي : مترددين (بَيْنَ ذلِكَ) أي : الكفر والإيمان (لا) منسوبين (إِلى هؤُلاءِ) أي : الكفار (وَلا إِلى هؤُلاءِ) أي : المؤمنين (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ) أي : يضله (فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) أي : طريقا إلى الهدى ونظيره قوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) [النور ، ٤٠] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ) أي : المجاهرين بالكفر (أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) فإنه صنيع المنافقين وديدنهم فلا تتشبهوا بهم (أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ) أي : بموالاتهم (سُلْطاناً) أي : دليلا على كفركم باتباعهم غير سبيل المؤمنين (مُبِيناً) أي : واضحا على نفاقكم.
(إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ) أي : البطن (الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) أي : لأنّ ذلك أخفى ما في النار وأستره وأخبثه كما أنّ كفرهم أخفى الكفر وأخبثه وأستره وسميت طبقات النار دركات ؛ لأنها متداركة متتابعة إلى أسفل كما إنّ الدرج متراقية إلى فوق.
فإن قيل : لم كان المنافق أشدّ عذابا من الكافر؟ أجيب : بأنه مثله في الكفر وضم إلى كفره الاستهزاء بالإسلام وأهله ، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بسكون الراء والباقون بفتحها (وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً) أي : مانعا يمنعهم من عذاب الله تعالى فيخرجهم (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) أي : رجعوا عما كانوا عليه من النفاق (وَأَصْلَحُوا) أي : أعمالهم (وَاعْتَصَمُوا) أي : وثقوا (بِاللهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ) من الرياء فلا يريدون بطاعتهم إلا وجهه تعالى (فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) في الجنة (وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً) فيشاركونهم ويساهمونهم.
فإن قيل : من المنافق؟ أجيب : بأنه في الشريعة من أظهر الإيمان وأبطن الكفر ، وأمّا تسمية من ارتكب ما يفسق به منافقا فللتغليظ كقوله صلىاللهعليهوسلم : «من ترك الصلاة متعمّدا فهو كافر» (١) ومنه قوله صلىاللهعليهوسلم : «ثلاث من كنّ فيه فهو منافق وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم : من إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان» (٢) وقيل لحذيفة رضي الله تعالى عنه : من المنافق؟ قال : الذي يصف الإسلام ولا يعمل به ، وقيل لابن عمر رضي الله تعالى عنهما : ندخل على السلطان ونتكلم بكلام فإذا خرجنا تكلمنا بخلافه فقال : كنا نعده من النفاق.
فائدة : اتفق كتاب المصاحف على حذف الياء من (يُؤْتِ اللهُ) ولا سبب لحذفها.
__________________
(١) أخرجه المتقي الهندي في كنز العمال ١٨٨٧٦.
(٢) أخرجه مسلم في الإيمان حديث ٥٩.