المهاجرين والأنصار (يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) أي : القرآن (وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) أي : من سائر الكتب المنزلة وقوله تعالى : (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ) نصب على المدح ؛ لأنّ الصلاة لما كانت أعظم دعائم الدين ولذلك كانت ناهية عن الفحشاء والمنكر نصبت على المدح من بين هذه المرفوعات إظهارا لفضلها.
وحكي عن عائشة رضي الله تعالى عنها وأبان بن عثمان أنّ ذلك غلط من الكاتب ينبغي أن يكتب والمقيمون الصلاة ، وكذلك قوله في سورة المائدة [١٩] : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ) وقوله تعالى : (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) [طه : ٦٣] قالا : ذلك خطأ من الكاتب ، وقال عثمان : إنّ في المصحف لحنا وستقيمه العرب بألسنتها ، فقيل له : ألا تغيره فقال : دعوه فإنه لا يحل حراما ولا يحرم حلالا وعامّة الصحابة وأهل العلم على إنه صحيح كما قدّمناه ، وقيل : نصب بإضمار فعل تقديره : أعني المقيمين الصلاة ، وقوله تعالى : (وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) رجوع إلى النسق الأوّل (أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ) بوعد لا خلف فيه على جمعهم بين الإيمان الصحيح والعمل الصالح (أَجْراً عَظِيماً) وهو الجنة والنظر إلى وجهه الكريم ، وقوله تعالى : (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) جواب لأهل الكتاب عن سؤالهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن ينزل عليهم كتابا من السماء ، واحتجاج عليهم بأنّ شأنه في الوحي إليه كشأن سائر الأنبياء الذين سلفوا ، وبدأ بذكر نوح عليه الصلاة والسّلام ؛ لأنه كان أبا البشر مثل آدم عليه الصلاة والسّلام قال الله تعالى : (وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ) [الصافات ، ٧٧] ؛ ولأنه أوّل نبيّ من أنبياء الشريعة وأول نذير على الشرك وأوّل من عذبت أمته لردهم دعوته ، وأهلك أهل الأرض بدعائه ، وكان أطول الأنبياء عمرا ، وجعلت معجزته في نفسه ؛ لأنه عمر ألف سنة فلم ينقص له سن ولم يشب له شعرة ولم تنقص له قوّة ولم يصبر أحد على أذى قومه ما صبر هو على طول عمره (وَ) كما (أَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ) بني إبراهيم (وَيَعْقُوبَ) بن إسحاق (وَالْأَسْباطِ) أولاد يعقوب وظاهر هذا أنهم كلهم أنبياء وهو أحد قوليه ، والقول الآخر : أن يوسف هو النبي فقط وعلى هذا فالمراد المجموع (وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا) أباه (داوُدَ زَبُوراً) قرأ حمزة بضم الزاي مصدر بمعنى مزبورا أي : مكتوبا ، والباقون بالنصب على إنه إسم للكتاب المؤتى ، وكان فيه التحميد والتمجيد والثناء على الله عزوجل.
كان داود يبرز إلى البرية فيقوم ويقرأ الزبور ويقوم معه علماء بني إسرائيل ، فيقومون خلفه ، ويقوم الناس خلف العلماء ، ويقوم الجن خلف الناس الأعظم فالأعظم ، والشياطين خلف الجن ، وتجيء الدواب التي في الجبال فيقمن بين يديه تعجبا لما يسمعن منه ، والطير ترفرف على رؤوسهم ، فلما قارف الذنب لم ير ذلك فقيل له : ذاك أنس الطاعة وهذا وحشة المعصية ، قال السيوطي في شرح ال تنبيه : إنّ الزبور مئة وخمسون سورة ما بين قصار وطوال ، والطويلة منها قدر ربع حزب ، والقصيرة قدر سورة النصر اه.
وعن أبي موسى قال : قال لي رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لو رأيتني البارحة وأنا أسمع لقراءتك لقد أعطيت مزمارا من مزامير داود» (١) وكان عمر إذا رآه قال : ذكرنا يا أبا موسى فيقرأ عنده ، وإنما
__________________
(١) أخرجه البخاري في فضائل القرآن حديث ٥٠٤٨ ، ومسلم في المسافرين حديث ٧٩٣ ، والترمذي في المناقب حديث ٣٨٥٥ ، والنسائي في الافتتاح حديث ١٠١٩ ، وابن ماجه في الإقامة حديث ١٣٤١.