(إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ) أي : الطريق المؤدي إليها (خالِدِينَ) أي : مقدرين الخلود (فِيها) إذا دخلوها وأكد ذلك بقوله : (أَبَداً) لأنّ الله لا يغفر أن يشرك به (وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) أي : هيّنا لا يصعب عليه ولا يستعظمه.
(يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ) محمد صلىاللهعليهوسلم (بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ) لما قرّر من أمر النبوّة وبين الطريق الموصل إلى العلم بها ووعيد من أنكرها خاطب الناس عامة بالدعوة وإلزام الحجة والوعد بالإجابة والوعيد على الرد (فَآمِنُوا) بالله وقوله تعالى : (خَيْراً لَكُمْ) وكذلك قوله تعالى فيما يأتي (فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ) [النساء ، ١٧١] منصوب بمضمر وذلك إنه لما بعثهم على الإيمان وعلى الانتهاء عن التثليث علم أنه يحملهم على أمر فقال خيرا لكم أي : اقصدوا أمرا خيرا لكم مما أنتم فيه من الكفر والتثليث ، وهو الإيمان والتوحيد ، وقيل : تقديره يكن الإيمان خيرا لكم. قال البيضاوي : ومنعه البصريون ؛ لأنّ كان لا يحذف مع اسمه إلا فيما لا بدّ منه ، ولأنه يؤدي إلى حذف الشرط وجوابه اه.
(وَإِنْ تَكْفُرُوا) بالله (فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ملكا وخلقا ، فهو غني عنكم فلا يضره كفركم كما لا ينفعه إيمانكم ، ونبّه على غناه بقوله تعالى : (ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وهو يعم ما اشتملتا عليه وما تركبتا منه (وَكانَ اللهُ عَلِيماً) بأحوالكم (حَكِيماً) أي : فيما دبره لهم.
(يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً (١٧١) لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً (١٧٢) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (١٧٣) يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (١٧٤) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً (١٧٥) يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٧٦))
(يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا) أي : تجاوزوا الحد (فِي دِينِكُمْ) الخطاب للفريقين غلت اليهود في حط عيسى حتى رموه بالزنا ، والنصارى في رفعه حتى اتخذوه إلها ، وقيل : للنصارى خاصة ، والمراد بالكتاب الإنجيل ، فإنه أوفق لقوله تعالى : (وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا) القول (الْحَقَ) أي : من تنزيهه عن الشريك والولد (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها) أي : أوصلها (إِلى مَرْيَمَ) وجعلها فيها (وَرُوحٌ) أي : ذو روح (مِنْهُ) لا بتوسط ما يجري مجرى الأصل والمادّة له ، وسمى عيسى كلمة الله وكلمة منه ؛ لأنه وجد بكلمته وأمره لا غير من غير واسطة أب ولا نطفة ، وقيل له : روح الله وروح منه ؛ لأنه ذو روح وجسد من غير جزء من ذي روح كالنطفة المنفصلة من الأب الحيّ ، وإنما اخترع اختراعا من عند الله وقدرته بأن أمر جبريل ، فنفخ