ونحوه قول الحطيئة (١) :
قوم إذا عقدوا عقدا لجارهم |
|
شدّوا العناج وشدوا فوقه الكربا |
والعناج حبل يشدّ في أسفل الدلو ثم يشدّ إلى العراقي ليكون عونا له ، والكرب الحبل الذي يشدّ في وسط العراقي والعرقوتان الخشبتان المعترضتان على الدلو كالصليب وقوله تعالى : (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ) تفصيل للعقود لأنّ العقود مجملة فهو شامل لجميع العقود لأنّ ذلك أمهات التكاليف وجميع ما في هذه السورة من الأحكام تفصيل لذلك.
فائدة : روي عن ابن مسعود قال : أنزل الله تعالى في هذه السورة ثمانية عشر حكما لم ينزلها في غيرها قوله تعالى : (وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) وتمام الطهر في قوله تعالى : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) الآية (ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ) [المائدة : ١٠٣] وقوله تعالى : (شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) وزيد عليها تاسع عشر وهو قوله تعالى : (وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) ليس للآذان ذكر في القرآن إلا في هذه السورة وأما في سورة الجمعة فهو مخصوص بالجمعة وهو في هذه السورة عام في جميع الصلوات والبهيمة كل حيّ لا يميز أي : من شأنه أنه لا يميز فلا يدخل في ذلك المجنون ونحوه ، والأنعام : الإبل والبقر والغنم وهي الأزواج الثمانية وألحق بها الظباء وبقر الوحش.
تنبيه : إضافة البهيمة إلى الأنعام للبيان كقولك : ثوب خز ومعناه البهيمة من الأنعام.
فإن قيل : لم أفرد البهيمة وجمع الأنعام؟ أجيب : بإرادة الجنس وقوله تعالى : (إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) أي : تحريمه في قوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) الآية استثناء منقطع ويجوز أن يكون متصلا والتحريم عرض من الموت ونحوه وقوله تعالى : (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ) حال من ضمير لكم وقوله تعالى : (وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) مبتدأ وخبر في محل نصب على الحال من الضمير في محلّي جمع حرام وهو المحرم (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ) من تحليل وتحريم وغيرهما على سبيل الإطلاق لا يجب عليه مراعاة مصلحة ولا حكمة كما تقوله المعتزلة ، فلا يسئل عن تخصيص ولا تفصيل فما فهمتم حكمته فذاك وما لا فكلوه إليه وارغبوا في أن يلهمكم حكمته.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ) جمع شعيرة : وهي اسم ما أشعر أي : جعل شعارا وعلما للنسك من مواقف الحج ومرامي الجمار والمطاف والمسعى والأفعال التي هي علامات الحاج ، يعرف بها من الإحرام والطواف والسعي والحلق والنحر ، وقيل : معالم دينه ، وقيل : فرائضه التي حدّها لعباده (وَلَا) تحلوا (الشَّهْرَ الْحَرامَ) أي : بالقتال فيه قال تعالى : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) [التوبة ، ٣٦] وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب ، فيجوز أن يكون ذلك إشارة إلى جميع هذه الأشهر كما يطلق اسم الواحد على الجنس لأنّ الأشهر كلها في الحرمة سواء ، ولكن قال
__________________
(١) البيت من البسيط ، وهو في ديوان الحطيئة ص ١٦ ، ولسان العرب (كرب) ، (عنج) ، وتاج العروس (كرب) ، (عنج) ، ومقاييس اللغة ٥ / ١٧٤ ، وتهذيب اللغة ١ / ١٩٧ ، ٣٧٩ ، ١٠ / ٢٠٧.