وذا النصب المنصوب لا تعبدنه |
|
ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا |
وقوله تعالى : (وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ) في محل رفع أيضا فكان عطفا على الميتة أي : وحرم عليكم ذلك والأزلام جمع زلم بفتح الزاي وضمها مع فتح اللام قدح بكسر القاف صغير وهو سهم لا ريش له ولا نصل ، وذلك أنهم كانوا إذا قصدوا فعلا ضربوا ثلاثة أقداح مكتوب على أحدها أمرني ربي ، وعلى الآخر نهاني ربي ، والثالث غفل أي : لا سمة عليه فإن خرج الأمر مضوا على ذلك وإن خرج الناهي تجنبوا عنه وإن خرج الغفل أداروها ثانيا ، فمعنى الاستقسام طلب معرفة ما قسم لهم دون ما لم يقسم بالأزلام ، وقيل : هو قسمة الجزور بالأقداح على الأنصباء المعلومة.
وقوله تعالى : (ذلِكُمْ فِسْقٌ) إشارة إلى ما ذكر تحريمه أي : خروج عن الطاعة ، وقيل : إشارة إلى الاستقسام وكونه فسقا ؛ لأنه دخول في علم الغيب الذي استأثر بعلمه علام الغيوب ، وقد قال تعالى : (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ) [النمل ، ٦٥] وضلال باعتقاد أنّ ذلك طريق إليه وقوله : أمرني ربي ونهاني ربي افتراء على الله عزوجل إن كان أراد بربي الله وما يدريه أنّ الله أمره أو نهاه ، فالكهنة والمنجمون بهذه المثابة ، وجهالة وشرك إن أراد به الصنم.
وقوله تعالى : (الْيَوْمَ) لم يرد به يوما بعينه وإنما أراد الحاضر وما يتصل به ويدانيه من الأزمنة الماضية والآتية ، وقيل : الألف واللام للعهد ، قيل : أراد يوم نزولها ، وقيل : نزلت يوم الجمعة وكان يوم عرفة بعد العصر في حجة الوداع ، وقيل : هو يوم دخوله صلىاللهعليهوسلم مكة سنة تسع ، وقيل : ثمان ، وقوله تعالى : (يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ) فيه قولان أحدهما : يئسوا من أن يحلوا هذه الخبائث بعد أن جعلها الله تعالى محرمة ، والثاني : يئسوا من أن يغلبوكم على دينكم فترتدّوا عنه بعد طمعهم في ذلك ، لما رأوا من قوته ؛ لأنه تعالى كان وعد بإعلاء هذا الدين على كل الأديان بقوله تعالى : (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) [التوبة ، ٣٣] فحقق ذلك النصر وأزلل الخوف (فَلا تَخْشَوْهُمْ) أن يظهروا عليكم (وَاخْشَوْنِ) أجمع القرّاء السبعة على حذف الياء بعد النون لحذفها في الرسم أي : وأخلصوا الخشية لي وحدي فإنّ دينكم قد اكتمل بدره وجل عن انمحاق محله وقدره ورضي به الآمر ومكّنه على رغم أنوف الأعداء وهو قادر وذلك قوله تعالى مسوقا مساق التعليل :
(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) أي : الذي أرسلت به أكمل خلقي محمدا صلىاللهعليهوسلم نزلت هذه الآية يوم الجمعة يوم عرفة بعد العصر في حجة الوداع والنبيّ صلىاللهعليهوسلم واقف بعرفات على ناقته العضباء فكادت عضد الناقة تندق من ثقلها فبركت ، وعن عمر رضي الله تعالى عنه أنّ رجلا من اليهود قال له : يا أمير المؤمنين آية من كتابكم تقرأونها لو علينا معاشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا قال : أي أية؟ قال : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) قال عمر : قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي أنزلت فيه على النبيّ صلىاللهعليهوسلم وهو قائم بعرفة يوم الجمعة ، أشار عمر إلى أنّ ذلك اليوم كان عيدا ، قال ابن عباس : كان ذلك اليوم خمسة أعياد جمعة وعرفة وعيد اليهود وعيد النصارى والمجوس ، ولم يجتمع أعياد أهل الملل في يوم قبله ولا بعده.
وروي أنها لما نزلت هذه الآية بكى عمر رضي الله تعالى عنه فقال له النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «ما يبكيك
__________________
٥ / ١٤٩ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٤٤ ، ٢٤٥ ، والكتاب ٣ / ٥١٠ ، ولسان العرب (نصب) ، (سبح) ، (نون) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٤٠.