المنهيات ، وأورثهم عدم الغيرة فإنّ الخنزير يرى الذكر من الخنازير ينزو على الأنثى التي له ولا يتعرّض له لعدم الغيرة.
(وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) أي : رفع الصوت به لغير الله بأن ذبح على اسم غيره ، والإهلال :
رفع الصوت ومنه يقال : فلان أهل بالحج إذا لبى وكانوا يقولون عند الذبح : باسم اللات والعزى ، قال ابن عادل : وقدم هنا لفظ الجلالة في قوله لغير الله به وأخرت في البقرة لأنها هناك فاصلة أو تشبه الفاصلة بخلافها هنا لأنّ بعدها معطوفات (وَالْمُنْخَنِقَةُ) وهي التي ماتت بالخنق سواء أفعل بها ذلك آدميّ أم اتفق لها ذلك (وَالْمَوْقُوذَةُ) وهي التي وقذت أي : ضربت حتى ماتت ويدخل في الموقوذة ما رمي بالبندق فمات (وَالْمُتَرَدِّيَةُ) أي : الساقطة من علو بان سقطت من جبل أو مشرف أو في بئر فماتت ، ولو رمى صيدا في الهواء بسهم فأصابه فسقط على الأرض ومات حلّ لأنّ الوقوع على الأرض من ضرورته وإن سقط على جبل أو شجر ثم تردى منه فمات لم يحل لأنه من المتردية إلا أن يكون السهم ذبحه في الهواء فيحل كيفما وقع لأنّ الذبح قد حصل قبل التردية.
تنبيه : دخلت الهاء في هذه الكلمات لأنّ المنخنقة هي الشاة المنخنقة كأنه قيل : حرّمت عليكم الشاة المنخنقة والموقوذة والمتردية وخصّت الشاة لأنها من أعمّ ما يأكل الناس والكلام يخرّج على الأعمّ ويكون المراد الكل ، وأما الهاء في قوله تعالى : (وَالنَّطِيحَةُ) وهي التي تنطحها أخرى فتموت فللنّقل من الوصفية إلى الاسمية وإلا فكان من حقها أن لا تدخلها تاء التأنيث كقتيل وجريح ، وما في قوله تعالى : (وَما أَكَلَ السَّبُعُ) بمعنى الذي وعائده محذوف أي : وما أكله السبع ولا بد من حذف ، ولهذا قال الزمخشريّ : وما أكل بعضه السبع وهذا يدل على أنّ جوارح الصيد إذا أكلت ما اصطادته لم يحل أكله.
وقوله تعالى : (إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ) استثناء متصل أي : إلا ما أدركتم ذكاته وصار فيه حياة مستقرة من ذلك فهو حلال ، وقيل : الاستثناء مخصوص بما أكل السبع وقيل : الاستثناء منقطع أي : ولكن ما ذكيتم من غيرها فحلال أو فكلوه ، وكأنّ هذا القائل رأى أنها وصلت بهذه الأسباب إلى الموت أو إلى حالة قريبة منه فلم تفد تذكيتها عنده شيئا ، وقيل : الاستثناء من التحريم لا من المحرّمات أي : حرّم عليكم ما مضى إلا ما ذكيتم فإنه لكم حلال فيكون الاستثناء منقطعا أيضا ، وأقلّ الذكاة في الحيوان المقدور عليه قطع الحلقوم والمريء وكمالها أن يقطع الودجين معهما ، وهما عرقان في صفحتي العنق ويجوز بكل محدد يجرح من حديد أو قصب أو زجاج أو غيره إلا السن والظفر لقوله صلىاللهعليهوسلم : «ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه ليس السن والظفر» (١).
وقوله تعالى : (وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) في محل رفع عطفا على الميتة أي : وحرم عليكم ذلك والنصب واحد الأنصاب ، وهي حجارة ، كانت حول الكعبة يذبح عليها تقربا إليها وتعظيما لها ، وقيل : هي الأصنام لأنها تنصب لتعبد ، وعلى : بمعنى اللام أو على أصلها بتقدير وما ذبح مسمى على الأنصاب ، وقيل : هو جمع والواحد نصاب ويدل للأوّل قول الأعشى (٢) :
__________________
(١) أخرجه البخاري في الشركة حديث ٢٤٨٨ ، ومسلم في الأضاحي حديث ١٩٦٨ ، وأبو داود في الضحايا حديث ٢٨٢١ ، والترمذي في الأحكام حديث ١٤٩١ ، وابن ماجه في الذبائح حديث ٣١٧٨.
(٢) البيت من الطويل ، وهو في ديوان الأعشى ص ١٨٧ ، والأزهية ص ٢٧٥ ، وتذكرة النحاة ص ٧٢ ، والدرر