تعالى : (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) [آل عمران ، ٥٢] ويزدكم قوّة إلى قوّتكم أو يجعل اليد التي هي حقيقة إلى المنكب مجازا إلى المرفق مع جعل إلى غاية للغسل الداخلة هنا في المغيّا بقرينة الإجماع والاحتياط للعبادة ، والمعنى اغسلوا أيديكم من رؤوس الأصابع إلى المرافق ، أو تجعل باقية على حقيقتها إلى المنكب مع جعل إلى غاية للترك المقدّر فتخرج الغاية والمعنى اغسلوا أيديكم واتركوا منها إلى المرافق ، والمرافق جمع مرفق بفتح الميم وكسر الفاء على الفصيح من اللغة وهو مفصل ما بين العضد والمعصم ولو قطع بعض ما يجب غسله وجب غسل الباقي ؛ لأنّ الميسور لا يسقط بالمعسور ، وإن قطع من المرفق فإن سلّ عظم الذراع وبقي العظمان المسميان برأس العضد وجب غسل رأس عظم العضد ؛ لأنه من المرفق وهو مجموع العظمين والإبرة الداخلة بينهما وإن قطع من فوق المرفق ندب غسل باقي عضده.
(وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) أي : ببعضها. لما روى مسلم «إنه صلىاللهعليهوسلم مسح بناصيته وعلى عمامته» (١) واكتفى بمسح البعض لأنه المفهوم من المسح عند إطلاقه ولم يقل أحد بوجوب خصوص الناصية وهي الشعر الذي بين النزعتين والاكتفاء بها يمنع وجوب الاستيعاب ويمنع وجوب التقدير بالربع أو أكثر لأنها دونه والباء إذا دخلت على متعدّد كما في الآية تكون للتبعيض أو على غيره كما في قوله تعالى : (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) [الحج ، ٢٩] تكون للالصاق.
فإن قيل : صيغة الأمر بمسح الرأس والوجه في التيمم واحدة فهلا أوجبتم التعميم أيضا؟ أجيب : بأن المسح ثم بدل للضرورة فاعتبر ببدله ومسح الرأس أصل فاعتبر لفظه.
فإن قيل : المسح على الخف بدل فهلا وجب تعميمه كمبدله؟ أجيب : بقيام الإجماع على عدم وجوبه ، ولا فرق بين أن يمسح على بشرة الرأس أو شعرها ولو شعرة واحدة في حدّ الرأس ؛ لأنّ ذلك يصدق عليها مسمى الرأس عرفا إذ الرأس اسم لما رأس وعلا وقوله تعالى : (وَأَرْجُلَكُمْ) قرأه نافع وابن عامر وحفص والكسائي بنصب اللام عطفا على وجوهكم. وقيل : على أيديكم والباقون بالكسر على الجوار ومنهم من عطف على المجرور على قراءة الجرّ والممسوح ليفيد مسح الخف ، وعطف على المنصوب على قراءة النصب على المغسول ليفيد غسل الرجل المتجرّدة منه فيفيد كل من القراءتين غير ما أفادته الأخرى وقوله تعالى : (إِلَى الْكَعْبَيْنِ) وهم العظمان الناتئان في كل رجل من جانبين عند مفصل الساق والقدم دل على دخولهما في الغسل ما دل على دخول المرفقين فيه وقد مرّ.
تنبيه : الفصل بين الأيدي والأرجل المغسولة بالرأس الممسوح فيه دليل على وجوب الترتيب في طهارة هذه الأعضاء وعليه الشافعيّ رضي الله تعالى عنه ولو قطع بعض القدم وجب غسل الباقي وإن قطع فوق الكعب فلا فرض عليه ، وندب غسل الباقي كما مرّ في اليد ويؤخذ من السنة وجوب النية فيه كغيره من العبادات.
(وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً) من جماع وغيره (فَاطَّهَّرُوا) أي : بالغسل لجميع البدن ؛ لأنه أطلق ولم يخص الأعضاء كما في الوضوء (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى) أي : مرضا يضره الماء (أَوْ عَلى سَفَرٍ) أي : مسافرين سفرا مباحا طويلا أو قصيرا (أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ) أي : الموضع المطمئن من
__________________
(١) أخرجه مسلم في الطهارة حديث ٢٧٤.