بني إسرائيل وتكفل له بهم النقباء وسار بهم ، فلما دنا من أرض كنعان بعث النقباء يتجسسون فرأوا أجراما عظيما وقوّة وشوكة فهابوا ورجعوا وحدّثوا قومهم ، وقد نهاهم موسى عليهالسلام أن يحدّثوهم فنكثوا الميثاق إلا كالب بن يوفنا من سبط يهودا ويوشع بن نون من سبط افراثيم بن يوسف وكانا من النقباء (وَقالَ) لهم (اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ) أي : بالعون والنصرة (لَئِنْ) لام قسم (أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ) التي هي وصلة العبد والخالق بجميع شروطها وأركانها (وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ) التي تقرّب العبد إلى الله عزوجل (وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي) أي : بجميع الرسل (وَعَزَّرْتُمُوهُمْ) أي : نصرتموهم وقيل : التعزير التعظيم وقيل : هو الثناء بخير قاله يونس وهو قريب من الثاني.
فإن قيل : لم أخرّ الإيمان بالرسل عن إقام الصلاة وإيتاء الزكاة مع أنه مقدّم عليهما؟ أجيب : بأنّ اليهود كانوا مقرّين بأنه لا بدّ في حصول النجاة من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة إلا أنهم كانوا مصرّين على تكذيب بعض الرسل فذكر أنّ بعد إقام الصلاة وإيتاء الزكاة لا بدّ من الإيمان بجميع الرسل حتى يحصل المقصود وإلا لم يكن لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة تأثير في حصول النجاة بدون الإيمان بجميع الرسل.
فإن قيل : قوله تعالى : (وَأَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) داخل تحت إيتاء الزكاة فما فائدة إعادته؟ أجيب : بأنّ المراد بالزكاة الواجبة وبالقرض الصدقة المندوبة وخصها تنبيها على شرفها وقرضا يحتمل المصدر والمفعول به ، ولما كان الإنسان محل النقصان فهو لا ينفك عن زلل أو تقصير وإن اجتهد في صلاح العمل قال : سدّ الجواب القسم المدلول عليه باللام في لئن مسد جواب الشرط (لَأُكَفِّرَنَ) أي : لأسترنّ (عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) أي : فعلكم الذي من شأنه أن يسوء (وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ) فضلا ورحمة مني (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) أي : من شدّة الريّ (فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ) الميثاق (مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَ) أي : ترك وضيع (سَواءَ السَّبِيلِ) أي : أخطأ طريق الحق والسواء في الأصل الوسط.
فإن قيل : من كفر قبل ذلك أيضا فقد ضلّ سواء السبيل ، أجيب : بأنّ الضلال بعد أظهر وأعظم لأنه الكفر بعد البيان العظيم فهو أعظم من غيره لأنه قد يكون له قبل ذلك شبهة يتوهم له معذرة ، وقرأ قالون وابن كثير وعاصم بإظهار دال قد عند الضاد والباقون بالإدغام وقد تقدّم ولما نقضوا الميثاق مرّة بعد مرّة بتكذيب الرسل وقتل الأنبياء وكتمهم صفة النبيّ صلىاللهعليهوسلم كما تقدّم في سورة البقرة.
قال تعالى : (فَبِما) ما مزيدة للتأكيد (نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ) قال عطاء : أبعدناهم من رحمتنا ، وقال الحسن ومقاتل : مسخناهم قردة وخنازير وقال ابن عباس : ضربنا الجزية عليهم (وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً) أي : لا تلين لقبول الإيمان وقرأ حمزة والكسائي بغير ألف بعد القاف وتشديد الياء بمعنى رديئة من قولهم درهم قسي إذا كان مغشوشا وهو أيضا من القسوة فإنّ المغشوش فيه يبس وصلابة والباقون بألف بعد القاف وتخفيف الياء وقوله تعالى : (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) استئناف لبيان قسوة قلوبهم فإنه لا قسوة أشد من تغيير كلام الله تعالى والافتراء عليه (وَنَسُوا حَظًّا) أي : نصيبا نافعا (مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) أي : من التوراة على أنبيائهم عيسى ومن قبله عليهم الصلاة والسّلام تركوه ترك الناسي للشيء لقلة مبالاتهم به بحيث لم يكن لهم رجوع إليه وقيل معناه : إنهم حرّفوها فزلّت لشؤمهم أشياء منها عن حفظهم وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال : ينسى المرء بعض العلم بالمعصية وتلا هذه الآية وقيل : تركوا نصيب أنفسهم مما أمروا به من