الإيمان بمحمد صلىاللهعليهوسلم وبيان نعته (وَلا تَزالُ) أي : بما نطلعك عليه يا أكرم الخلق فهو خطاب للنبيّ صلىاللهعليهوسلم (تَطَّلِعُ) أي : تظهر (عَلى خائِنَةٍ) أي : خيانة (مِنْهُمْ) بنقض العهد وغيره لأنّ ذلك من عادتهم وعادة أسلافهم لا تزال ترى ذلك منهم (إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) لم يخونوا وهم الذين آمنوا منهم (فَاعْفُ عَنْهُمْ) أي : امح ذنبهم ذلك (وَاصْفَحْ) أي : أعرض عن ذلك أصلا ورأسا إن تابوا وآمنوا وعاهدوا والتزموا الجزية وقيل : مطلق ونسخ بآية السيف وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) تعليل للأمر بالصفح وحث عليه وتنبيه على أنّ العفو عن الكافر الخائن إحسان فضلا عن العفو عن غيره.
روى الشيخان وغيرهما عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم سحره رجل من اليهود يقال له لبيد بن الأعصم.
وفي رواية البخاري أنه رجل من بني زريق حليف لليهود وكان منافقا حتى كان يخيل إليه أنه يأتي النساء ولا يأتيهنّ وذلك أشدّ السحر ، ثم إنّ الله تعالى شفاه وأعلمه أنّ السحر في بئر ذروان فقالت له عائشة رضي الله تعالى عنها : أفلا أخرجته؟ فقال : «لا أمّا أنا فقد عافاني الله وكرهت أن أثير على الناس شرّا فأمرت به فدفنته» (١) وهو في معجم الطبرانيّ الكبير وهذا لفظه ، وعن زيد بن أرقم رضي الله تعالى عنه قال : «كان رجل يدخل على النبيّ صلىاللهعليهوسلم فعقد له عقدا فجعله في بئر رجل من الأنصار فأتاه ملكان يعودانه فقعد أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه فقال أحدهما : أتدري ما وجعه؟ قال فلان الذي يدخل عليه عقد له عقدا فألقاه في بئر فلان الأنصاري فلو أرسل رجلا لوجد الماء أصفر فبعث رجلا فأخذ العقد فحلها فبرىء ، فكان الرجل بعد ذلك يدخل على النبيّ صلىاللهعليهوسلم فلم يذكر له شيئا منه ولم يعاتبه» (٢) ، وعن أنس رضي الله تعالى عنه أنّ امرأة يهودية سمّت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فسألها عن ذلك فقالت : أردت لأقتلك فقال : «ما كان الله ليسلطك على ذلك ـ أو قال ـ عليّ» قالوا : أفلا نقتلها؟ قال : «لا» قال أنس : فما زلت أعرفها في لهوات النبيّ صلىاللهعليهوسلم فانظر إلى عفوه صلىاللهعليهوسلم واقتد به» (٣) ، وفي ذلك غاية العفو والإحسان امتثالا لأمر ربه تعالى ، وقيل : فاعف عن مؤمنهم ولا تؤاخذهم بما سلف منهم.
(وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (١٤) يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ (١٥) يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٦) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٧) وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (١٨) يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللهُ عَلى
__________________
(١) أخرجه البخاري في الطب حديث ٥٧٦٦ ، ومسلم في السحر حديث ٢١٨٩ ، وابن ماجه في الطب حديث ٣٥٤٥.
(٢) أخرجه الهيثمي في المجمع الزوائد ١٠٦٩٠.
(٣) أخرجه مسلم في السّلام حديث ٢١٩٠ ، وأبو داود في الديات حديث ٤٥٠٨.