كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٩) وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ (٢٠) يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ (٢١) قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ (٢٢) قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٣))
(وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ) أي : وأخذنا من النصارى ميثاقهم كما أخذنا ممن قبلهم.
فإن قيل : هلا قال من النصارى؟ أجيب : بأنهم إنما سموا أنفسهم بذلك ادّعاء لنصرة الله تعالى لقولهم لعيسى : (نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ) [آل عمران ، ٥٢] وليسوا موصوفين به قال الحسن : فيه دليل على أنهم نصارى بتسميتهم لا بتسمية الله تعالى (فَنَسُوا) أي : تركوا ترك الناسي (حَظًّا) أي : نصيبا عظيما يتنافس في مثله (مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) أي : في الإنجيل من الإيمان ومن أوصاف محمد صلىاللهعليهوسلم وغير ذلك ونقضوا الميثاق (فَأَغْرَيْنا) أي : أوقعنا (بَيْنَهُمُ) أي : النصارى بعد أن جعلناهم فرقا متباينين وهم نسطورية ويعقوبية وملكانية وكذا بينهم وبين اليهود (الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) أي : بتفرّقهم واختلاف أهوائهم فكل فرقة تكفر الأخرى وقرأ نافع وأبو عمرو وابن كثير بتحقيق الهمزة الأولى وتسهيل الثانية والباقون بتحقيقهما (وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ) أي : يجزيهم في الآخرة (بِما كانُوا يَصْنَعُونَ) فيجازيهم عليه.
وقوله تعالى : (يا أَهْلَ الْكِتابِ) خطاب لليهود والنصارى ووحد الكتاب لأنه للجنس (قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا) وهو أفضل الخلق محمد صلىاللهعليهوسلم (يُبَيِّنُ لَكُمْ) أي : يوضح إيضاحا شافيا (كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ) أي : تكتمون (مِنَ الْكِتابِ) أي : التوراة والإنجيل كنعت محمد صلىاللهعليهوسلم وآية الرجم في التوراة وبشارة عيسى بأحمد في الإنجيل (وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) أي : مما تخفونه فلا يبينه إذا لم يكن فيه مصلحة في أمر ديني أو عن كثير منكم فلا يؤاخذه بجرمه (قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ) هو محمد صلىاللهعليهوسلم الذي جلا ظلمات الشك والشرك (وَكِتابٌ) هو القرآن العظيم (مُبِينٌ) أي : بين في نفسه مبين لما كان خافيا على الناس من الحق.
(يَهْدِي بِهِ اللهُ) أي : بالكتاب وقيل : بهما ووحد الضمير لأنّ المراد بهما واحد لأنهما كواحد في الحكم (مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ) أي : رضاه بأن آمن (سُبُلَ) أي : طرق (السَّلامِ) أي : السلامة من العذاب أو الله باتباع شرائع دينه (وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ) أي : أنواع الكفر والوساوس الشيطانية (إِلَى النُّورِ) أي : الإسلام (بِإِذْنِهِ) أي : بإرادته أو بتوفيقه (وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) أي : طريق هي أقرب الطرق إلى الله تعالى ومؤدّ إليه لا محالة وهو الدين الحق.
(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) وذلك حيث جعلوه إلها وهم اليعقوبية فرقة من النصارى ، وقيل : ما صرحوا به ولكن مذهبهم يؤدي إليه حيث اعتقدوا أنه يخلق ويحيي ويميت ويدبر أمر العالم (قُلْ) لهم يا محمد (فَمَنْ يَمْلِكُ) أي : يدفع (مِنَ) عذاب (اللهِ شَيْئاً)