(فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ) [الأنبياء ، ٨٠] (وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) فيما أمراكم به من اجتناب ذلك (وَاحْذَرُوا) مخالفتهما فيما ينهياكم عنه (فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ) أي : عن الطاعة (فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) أي : فلا يضرّه توليكم فإنما عليه الإبلاغ البيّن ، وقد أدّى وإنما ضررتم أنفسكم.
ولما نزل تحريم الخمر قال الصحابة رضي الله تعالى عنهم : يا رسول الله فكيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يشربون الخمر ويأكلون الميسر ، نزل : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) تصديقا لإيمانهم (جُناحٌ) أي : حرج (فِيما طَعِمُوا) أي : من مال الميسر وشربوا من الخمر قبل التحريم (إِذا مَا اتَّقَوْا) أي : المحرّمات (وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أي : ثبتوا على الإيمان والأعمال الصالحة (ثُمَّ اتَّقَوْا) ما حرّم عليهم بعد الخمر (وَآمَنُوا) بتحريمه (ثُمَّ اتَّقَوْا) أي : استمرّوا وثبتوا على اتقاء المعاصي (وَأَحْسَنُوا) أي : وتحرّوا الأعمال الجميلة واشتغلوا بها أو أن التكرير باعتبار الأوقات الثلاثة الماضي والحال والاستقبال التي تقع فيها الأفعال المذكورة وباعتبار الحالات الثلاث استعمال الإنسان التقوى والإيمان بينه وبين نفسه ، وبينه وبين الناس ، وبينه وبين الله عزوجل ولأجل استعمال الإنسان التقوى بينه وبين الله أبدل الإيمان بالإحسان في الكرة الثالثة إشارة إلى ما قاله عليه الصلاة والسّلام في تفسير الإحسان من قوله : «الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك» (١) أو باعتبار المراتب الثلاثة : المبدأ والوسط والمنتهى أو باعتبار ما يتقي به فإنه ينبغي أن يترك المحرّمات توقيا من العقاب والشبهات تحزرا للنفس عن الوقوع في الحرام وبعض المباحات صونا لها عن الخسة وتهذيبا لها عن دنس الطبيعة (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) أي : يثيبهم.
ونزل عام الحديبية وكانوا محرمين ابتلاهم الله بالصيد فكانت الوحوش تغشى رحالهم فهموا بأخذها.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ) أي : ليختبرنكم (بِشَيْءٍ) يرسله لكم (مِنَ الصَّيْدِ) وإنما بعض لأنه ابتلاهم بصيد البر خاصة وفائدة الابتلاء إظهار المطيع من العاصي وإلا فلا حاجة به إلى البلوى (تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ) أي : ما لا يقدر أن يفرّ من الصيد لصغر أو غيره (وَرِماحُكُمْ) أي : ما يقدر على الفرار لكبر أو غيره (لِيَعْلَمَ اللهُ) أي : علم ظهور فإنه تعالى يعلم ما تخفى الصدور (مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ) أي : ليتميز من يخاف عقاب الله وهو غائب منتظر في الآخرة فيجتنب الصيد ، والمعنى : أنه سبحانه وتعالى يخرج بالامتحان ما كان من أفعال العباد في عالم الغيب إلى عالم الشهادة فيصير تعلق العلم به تعلقا شهوديا كما كان تعلقا غيبيا ليقوم بذلك على الفاعل الحجة في مجاري عاداتكم (فَمَنِ اعْتَدى) أي : فاصطاد (بَعْدَ ذلِكَ) أي : الابتلاء بالصيد (فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ) أي : مؤلم وإنّ من لا يملك نفسه في مثل ذلك ولا يراعي حكم الله فيه فكيف به فيما تكون فيه النفس أميل إليه وأحرص عليه.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) أي : محرمون بنسك أو في الحرم والنهي عما يؤكل لحمه لأنه الغالب فيه عرفا وأمّا غير المأكول فيحل قتله فإنه لا حظ للنفس في قتله إلا الإراحة من أذاه ويؤيده قوله صلىاللهعليهوسلم : «خمس يقتلن في الحل والحرم : الحداء والغراب والعقرب
__________________
(١) تقدم الحديث مع تخريجه.