وروي أنه صلىاللهعليهوسلم دعاه إلى الإيمان فقال : لو لا أن تعيرني قريش لأقررت بها عينك ولكن أذب عنك ما حييت.
وروي أنهم اجتمعوا إلى أبي طالب وأرادوا برسول الله صلىاللهعليهوسلم سوءا فقال (١) :
والله لن يصلوا إليك بجمعهم |
|
حتى أوسد في التراب دفينا |
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة |
|
وأبشر بذاك وقرّ منه عيونا |
ودعوتني وزعمت أنك ناصح |
|
ولقد صدقت وكنت ثم أمينا |
وعرضت دينا لا محالة إنه |
|
من خير أديان البريّة دينا |
لو لا الملامة أو حذار مسبة |
|
لوجدتني سمحا بذاك مبينا |
(وَإِنْ) أي : ما (يُهْلِكُونَ) بالنأي عنه (إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) لأنّ ضرره عليهم (وَما يَشْعُرُونَ) أنّ ضررهم لا يتعدّاهم إلى غيرهم.
وقوله تعالى : (وَلَوْ تَرى) يا محمد (إِذْ وُقِفُوا) أي : عرضوا (عَلَى النَّارِ) جوابه محذوف أي : لو تراهم حين يقفون على النار فيعرفون مقدار عذابها لرأيت أمرا شنيعا (فَقالُوا) أي : الكفار (يا) للتنبيه (لَيْتَنا نُرَدُّ) أي : إلى الدنيا (وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) تمنوا أن يردّوا إلى الدنيا ولا يكذبوا بآيات ربهم ، وقرأ حفص وحمزة بنصب الياء من نكذب على جواب التمني والباقون بالرفع على الاستئناف ، وقرأ ابن عامر وحفص وحمزة بفتح النون من نكون على جواب التمني والباقون بالضمّ على العطف وقوله تعالى :
(بَلْ بَدا لَهُمْ) أي : ظهر لهم (ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ) للإضراب عن إرادة الإيمان المفهوم من التمني والمعنى : أنهم ظهر لهم ما كانوا يخفون من نفاقهم وقبائح أعمالهم فتمنوا ذلك ضجرا لا عزما على أنهم لو ردّوا لآمنوا كما قال تعالى : (وَلَوْ رُدُّوا) إلى الدنيا أي : لو فرض ذلك بعد الوقوف والظهور (لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ) من الكفر والمعاصي (وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) في قولهم : لو رددنا إلى الدنيا لم نكذب بآيات ربنا وكنا من المؤمنين.
(وَقالُوا إِنْ) أي : ما (هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) كما كانوا يقولون قبل معاينة القيامة ، ويجوز أن يعطف على قوله : (وإنهم لكاذبون) على معنى وإنهم لقوم كاذبون في كل شيء وهم الذين قالوا : إن هي إلا حياتنا وكفى به دليلا على كذبهم.
(وَلَوْ تَرى) يا محمد (إِذْ وُقِفُوا) أي : عرضوا (عَلى رَبِّهِمْ) لرأيت أمرا عظيما (قالَ) لهم على لسان الملائكة توبيخا (أَلَيْسَ هذا) البعث والحساب (بِالْحَقِ) وقوله تعالى : (قالُوا بَلى وَرَبِّنا) إقرار مؤكد باليمين لانجلاء الأمر غاية الانجلاء (قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ) أي : الذي كنتم به توعدون (بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) أي : بسبب كفركم وجحودكم البعث.
(قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ) أي : بالبعث واستمرّ تكذيبهم (حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ) أي : القيامة (بَغْتَةً) أي : فجأة وسميت القيامة ساعة لأنها تفجأ الناس بغتة في ساعة لا يعلمها إلا
__________________
(١) الأبيات من الكامل ، وهي لأبي طالب في ديوانه ص ٦٨ ، ولسان العرب (كفر) ، وتاج العروس (كفر) ، والجنى الداني ص ٢٧٠ ، وخزانة الأدب ٣ / ٢٩٦ ، والدرر ٤ / ٢٢٠ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٦٨٦ ، ومغني اللبيب ١ / ٢٨٥ ، وهمع الهوامع ٢ / ٤١.