وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٤٨) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (٤٩) قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ (٥٠) وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٥١) وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (٥٢))
(إِنَّما يَسْتَجِيبُ) دعاءك إلى الإيمان (الَّذِينَ يَسْمَعُونَ) سماع تفهم واعتبار كقوله تعالى : (أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) [ق ، ٣٧] وهم المؤمنون الذين فتح الله تعالى لهم أسماع قلوبهم فهم يسمعون الحق ويستجيبون له ويتبعونه دون من ختم الله على سمع قلبه وهو قوله : (وَالْمَوْتى) أي : الكفار لشبههم بهم في عدم السماع (يَبْعَثُهُمُ اللهُ) في الآخرة (ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) أي : يردّون فيجازيهم بأعمالهم.
(وَقالُوا) أي : رؤساء قريش (لَوْ لا) أي : هلا (نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ) مما اقترحوا (مِنْ رَبِّهِ) المحسن إليه كالناقة والعصا والمائدة أو آية تضطرّهم إلى الإيمان كنتق الجبل أو آية إن جحدوها هلكوا (قُلْ) لهم (إِنَّ اللهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً) مما اقترحوه أو آية تضطرّهم إلى الإيمان أو آية إن جحدوها هلكوا لا يعجزه شيء (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) أي : ماذا عليهم في إنزالها من العذاب إن لم يؤمنوا بها ولهم فيما أنزل مندوحة عن غيره ، وقرأ ابن كثير : ينزل ، بسكون النون وتخفيف الزاي ، والباقون بفتح النون وتشديد الزاي والمعنى واحد.
(وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ) أي : تدب على وجهها (وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ) في الهواء وهو بالمدّ ما بين السماء والأرض وهو المراد هنا وأمّا الهوى بالقصر فهوى النفس وليس مرادا وإنما قال : (بِجَناحَيْهِ) مع أنّ الطيران لا يكون إلا بهما قطعا لمجاز السرعة ونحوها كما تقول : كتبت بيدي ونظرت بعيني (إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ) أي : محفوظة أحوالها مقدّرة أرزاقها وآجالها ، قال العلماء : جميع ما خلق الله تعالى لا يخرج عن هاتين الحالتين حتى ما في البحر لأنّ سيرها في الماء إمّا أن يكون دبيبا أو طيرانا مجازا وإنما خص ما في الأرض بالذكر دون ما في السماء وإن كان ما في السماء مخلوقا له لأنّ الاحتجاج بالمشاهد أظهر وأولى مما لا يشاهد.
واختلف العلماء في وجه هذه المماثلة فقال مجاهد : أصناف مصنفة تعرف بأسمائها مثل بني آدم يعرفون بأسمائهم يريد أنّ كل جنس من الحيوان أمة فالطير أمة والدواب أمة والسباع أمة وقال ابن قتيبة : أمم أمثالكم في الغذاء وابتغاء الرزق وتوقي المهالك. وقال عطاء : أمثالكم في التوحيد والمعرفة ، وقيل غير ذلك ، والمقصود من ذلك الدلالة على كمال قدرته وشمول علمه وسعة تدبيره ليكون كالدليل على أنه قادر على أن ينزل آية (ما فَرَّطْنا) أي : ما تركنا أو ما أغفلنا (فِي الْكِتابِ) أي : اللوح المحفوظ (مِنْ شَيْءٍ) فلم نكتبه فإنه مشتمل على ما يجري في العالم من الجليل والدقيق ولم يهمل فيه أمر حيوان ، وقيل : المراد بالكتاب القرآن فإنه قد دوّن فيه ما يحتاج إليه من أمر الدين مفصلا ومجملا ، و (من) مزيدة و (شيء) في موضع المصدر لا المفعول به فإن فرّط لا يتعدّى بنفسه ، وقد عدّي بفي إلى الكتاب (ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) قال ابن عباس والضحاك : حشرها موتها ، وقال أبو هريرة : يحشر الله الخلق كلهم يوم القيامة الدواب والطير وكل شيء فيأخذ