للجماء من القرناء ، ثم يقول : كوني ترابا فحينئذ يتمنى الكافر ويقول : (يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) [النبأ ، ٤٠].
وروي أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «لتؤدّن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من القرناء» (١).
(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) أي : القرآن (صُمٌ) عن سماعها سماع قبول (وَبُكْمٌ) عن النطق بالحق (فِي الظُّلُماتِ) أي : في ضلالات الكفر (مَنْ يَشَأِ اللهُ) إضلاله (يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ) هدايته (يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) هو دين الإسلام وهو دليل واضح لأهل السنة على المعتزلة في قولهم : إنهما من العبد كما مرّ.
(قُلْ) يا محمد لأهل مكة ، وقوله تعالى : (أَرَأَيْتَكُمْ) استفهام تعجيب والكاف حرف خطاب أي : أخبروني (إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ) أي : في الدنيا كما أتى من قبلكم من الغرق أو الخسف والمسخ والصواعق ونحو ذلك من العذاب (أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ) أي : القيامة المشتملة على العذاب (أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ) في كشف العذاب عنكم (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أنّ الأصنام آلهة وجواب الاستفهام محذوف أي : فادعوه وهو تبكيت لهم.
(بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ) أي : تخصونه بالدعاء كما حكى الله تعالى ذلك عنهم في موضع كما في قوله تعالى : (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً) [يونس ، ١٢] الآية (فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ) أي : ما تدعون إلى كشفه (إِنْ شاءَ) كشفه في الدنيا تفضلا عليكم كما هو عادته معكم في وقت شدائدكم ولكنه لا يشاء كشفه في الآخرة لأنه لا يبدّل القول لديه وإن كان له أن يفعل ما يشاء (وَتَنْسَوْنَ) أي : تتركون في تلك الأوقات دائما (ما تُشْرِكُونَ) معه من الأصنام فلا تدعونها لعلمكم أنها لا تضرّ ولا تنفع.
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا) رسلا (إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ) أي : قبلك و (من) مزيدة فكذبوهم (فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ) أي : شدّة الفقر (وَالضَّرَّاءِ) أي : الأمراض والأوجاع وهما صفتا تأنيث لا مذكر لها (لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) أي : يتذللون ويتوبون عن ذنوبهم فيؤمنون.
(فَلَوْ لا) أي : فهلا (إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا) أي : عذابنا (تَضَرَّعُوا) أي : لم يفعلوا ذلك مع قيام المقتضي له (وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ) فلم تلن للإيمان (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ) أي : بما أدخل عليهم من باب الشهوات (ما كانُوا يَعْمَلُونَ) من المعاصي فأصروا عليها.
(فَلَمَّا نَسُوا) أي : تركوا (ما ذُكِّرُوا) أي : وعظوا وخوّفوا (بِهِ) وإنما كان النسيان بمعنى الترك لأنّ التارك للشيء معرضا عنه كأنه قد صيره بمنزلة ما قد نسي (فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ) أي : من الخيرات والأرزاق والملاذ التي كانت مغلقة عنهم فنقلناهم من الشدّة إلى الرخاء استدراجا لهم ، وقرأ ابن عامر بتشديد التاء والباقون بالتخفيف (حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا) أي : فرح بطر (أَخَذْناهُمْ) بالعذاب (بَغْتَةً) أي : فجأة (فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ) أي : متحسرون آيسون من كل خير.
(فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا) أي : آخرهم بأن استؤصلوا (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)
__________________
(١) أخرجه مسلم في البر حديث ٢٥٨٢ ، والترمذي في القيامة حديث ٢٤٢٠ ، وأحمد في المسند ٢ / ٢٣٥ ، ٣٠١ ، ٣٧٢ ، ٤١١.