أي : على نصر الرسل وإهلاك الكافرين والعصاة فإنّ إهلاكهم من حيث إنه تخليص لأهل الأرض من شؤم عقائدهم وأعمالهم نعمة جليلة يحق أن يحمد عليها.
(قُلْ) أي : لأهل مكة (أَرَأَيْتُمْ) أي : أخبروني (إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ) أي : أصمكم (وَأَبْصارَكُمْ) أي : أعماكم (وَخَتَمَ) أي : طبع (عَلى قُلُوبِكُمْ) أي : بأن يغطي عليها ما يزول به عقلكم وفهمكم فلا تعرفون شيئا (مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ) أي : بذلك أو بما أخذ منكم وختم عليه لأنّ الضمير في (به) يعود على معنى الفعل أو بأحد هذه المذكورات ويجوز أن يعود إلى السمع الذي ذكره أوّلا ويندرج غيره تحته كقوله تعالى : (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) [التوبة ، ٦٢] فالهاء راجعة إلى الله تعالى ورضا رسول الله صلىاللهعليهوسلم يندرج في رضا الله تعالى (انْظُرْ) الخطاب للنبيّ صلىاللهعليهوسلم ويدخل فيه غيره أي : انظر يا محمد (كَيْفَ نُصَرِّفُ) أي : نبين لهم الآيات أي : العلامات الدالة على التوحيد والنبوّة ونكررها تارة من جهة المقدّمات العقلية وتارة من جهة الترغيب والترهيب وتارة بالتنبيه والتذكير بأحوال المتقدّمين (ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ) أي : يعرضون عنها فلا يؤمنون.
(قُلْ) لهم (أَرَأَيْتَكُمْ) أي : أخبروني (إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ بَغْتَةً) أي : فجأة (أَوْ جَهْرَةً) أي : معاينة ترونه عند نزوله ، وقال ابن عباس والحسن : ليلا ونهارا (هَلْ يُهْلَكُ) أي : ما يهلك به هلاك سخط وتعذيب (إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ) أي : المشركون لأنهم ظلموا أنفسهم بالشرك.
(وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ) من آمن بالجنة (وَمُنْذِرِينَ) من كفر بالنار أي : ليس في إرسالهم أن يأتوا الناس بما يقترحون عليهم من الآيات إنما أرسلوا بالبشارة والنذارة (فَمَنْ آمَنَ) أي : بهم (وَأَصْلَحَ) أي : عمله (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) أي : من العذاب (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) في الآخرة بفوات الثواب.
(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ) أي : يصيبهم (بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) أي : بسبب خروجهم عن الطاعة.
(قُلْ) لهم (لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ) نزلت حين اقترحوا عليه الآيات فأمره الله تعالى أن يقول لهم : إنما بعثت بشيرا ونذيرا ولا أقول لكم عندي خزائن الله جمع خزانة وهي : اسم للمكان الذي يخزن فيه الشيء وخزن الشيء إحرازه بحيث لا تناله الأيدي خزائن رزقه أو مقدوراته فأعطيكم منها ما تريدون لأنهم كانوا يقولون للنبيّ صلىاللهعليهوسلم : إن كنت رسولا من الله فاطلب منه أن يوسع علينا ويغني فقرنا فأخبر أنّ ذلك بيد الله لا بيدي (وَلا) أقول لكم إني (أَعْلَمُ الْغَيْبَ) أي : فأخبركم بما مضى وما هو آت وذلك أنهم قالوا له : أخبرنا بمصالحنا ومضارنا في المستقبل حتى نستعدّ لتحصيل المصالح ودفع المضار فأجابهم بقوله : (ولا أعلم الغيب) فأخبركم بذلك (وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ) وذلك أنهم قالوا : ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ويتزوّج النساء؟ فأجابهم بذلك لأنّ الملك يقدر على ما لا يقدر عليه البشر ويشاهد ما لا يشاهدونه أي : لا أقول لكم شيئا من ذلك فتنكرون وتجحدون.
فإن قيل : قد يستدل بهذا على أنّ الملائكة أفضل من الأنبياء لأنّ معنى الكلام لا أدعي منزلة أقوى من منزلتي ولو لا أنّ الملائكة أفضل لم يصح ذلك؟ أجيب : بأنه صلىاللهعليهوسلم إنما قال ذلك تواضعا لله تعالى واعترافا بالعبودية حتى لا يعتقد فيه مثل اعتقاد النصارى في المسيح وبأنّ المراد بما قاله نفي قدرته عن أفعال لا يقوى عليها إلا الملائكة وذلك لا يدل على أنهم أفضل من الأنبياء (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا