ولهم يوما قال : «لا أفعل» قالوا : فاجعل واحدا وأقبل علينا وولهم ظهرك فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وقال مجاهد : قالت قريش : لو لا بلال وابن أم معبد لبايعنا محمدا فأنزل الله تعالى هذه الآية (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِ) يعني صلاة الصبح وصلاة العصر» (١).
ويروى عنه أنّ المراد منه الصلوات الخمس وذلك أنّ ناسا من الفقراء كانوا مع النبيّ صلىاللهعليهوسلم فقال ناس من الأشراف : إذا صلينا فأخر هؤلاء فليصلوا خلفنا فنزلت هذه الآية وقوله تعالى : (يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) حال من (يدعون) أي : يدعون ربهم مخلصين فيه قيد الدعاء بالإخلاص تنبيها على أنه ملاك الأمر (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ) أي : ليس عليك حساب في اختبار بواطنهم وإخلاصهم لما اتسموا بسيرة المتقين وإن كان لهم باطن غير مرضيّ كما ذكره المشركون وطعنوا في دينهم فحسابهم عليهم لا يتعدّاهم إليك كما أنّ حسابك لا يتعدّاك إليهم كقوله تعالى : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) [الأنعام ، ١٦٤].
فإن قيل : هلا اكتفى بقوله : (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) عن (وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ؟) أجيب : بأن الجملتين جعلتا بمنزلة جملة واحدة وقصد بهما مؤدّى واحد وهو المعنى في قوله تعالى : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) [الأنعام ، ١٦٤] ولا يفيد هذا المعنى إلا الجملتان جميعا.
كأنه قيل : لا تؤاخذ أنت ولا هم بحساب صاحبه ، وقيل : الضمير للمشركين والمعنى : لا يؤاخذون بحسابك ولا أنت بحسابهم حتى يهمك إيمانهم بحيث تطرد المؤمنين طمعا فيه وقوله تعالى : (فَتَطْرُدَهُمْ) أي : فتبعدهم جواب النفي وقوله تعالى : (فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) جواب النهي وهو : (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة) ، واحتج الطاعنون في عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسّلام بهذه الآية فقالوا : إنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم لما همّ بطرد الفقراء عن مجلسه لأجل أشراف قريش عاتبه الله تعالى به على ذلك ونهاه عن طردهم وذلك قدح في العصمة وقوله تعالى : (فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) وأجيب : بأنه صلىاللهعليهوسلم ما طردهم ولا همّ به لأجل استخفاف بهم وإنما كان هذا الهم لمصلحة وهي التلطف بهؤلاء الأشراف في إدخالهم في الإسلام فكان ترجيح هذا الجانب أولى وهو اجتهاد منه صلىاللهعليهوسلم فأعلمه الله تعالى أنّ تقريب هؤلاء الفقراء أولى من الهمّ بطردهم فقرّبهم منه وأدناهم والظلم في اللغة : وضع الشيء في غير محله أي : فلا تهم بطردهم عنك فتضع الشيء في غير موضعه فهو من باب ترك الأفضل والأولى لا من باب ترك الواجبات.
(وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (٥٣) وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٤) وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (٥٥) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (٥٦) قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ
__________________
تفسيره ١٠ / ٣٩١ ، والطبري في تفسيره ١٥ / ١٥٦ ، وأبو نعيم في حلية الأولياء ١ / ٣٤٥ ، والبغوي في تفسيره ٢ / ١٢٦.
(١) أخرجه البغوي في تفسيره ٢ / ١٢٦.