يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ (٥٧) قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (٥٨) وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٥٩) وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٦٠) وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ (٦١) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ (٦٢) قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٦٣) قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (٦٤) قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (٦٥) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (٦٦) لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٦٧) وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٦٨))
(وَكَذلِكَ فَتَنَّا) أي : ابتلينا (بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) أي : الشريف بالوضيع والغني بالفقير بأن قدّمناه بالسبق للإيمان (لِيَقُولُوا) أي : الشرفاء والأغنياء (أَهؤُلاءِ) الفقراء (مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا) بالهداية أي : لو كان ما هم عليه هدى ما سبقونا إليه ونحن الأكابر والرؤساء وهم المساكين والضعفاء قال الله تعالى : (أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) أي : بمن يقع منهم الإيمان والشكر فيوفقه وبمن لا يقع منه فيخذله.
(وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا) وقوله تعالى : (فَقُلْ) لهم (سَلامٌ عَلَيْكُمْ) إمّا أن يكون أمرا بتبليغ سلام الله تعالى إليهم وإمّا أن يكون أمرا بأن يبدأهم بالسلام إكراما لهم وتطييبا لقلوبهم (كَتَبَ) أي : قضى (رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ.)
روي أنها نزلت في الذين نهى رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن طردهم فوصفهم الله تعالى بالإيمان بالقرآن واتباع الحجج بعدما وصفهم بالمواظبة على العبادة وأمره بأن يبدأ بالتسليم أو يبلغ سلام الله تعالى إليهم ويبشرهم بسعة رحمته وفضله بعد النهي عن طردهم إيذانا بأنهم الجامعون لفضيلتي العلم والعمل ، ومن كان كذلك ينبغي أن يقرّب ولا يطرد ويعز ولا يذل ويبشر من الله تعالى بالسلامة في الدنيا والرحمة في الآخرة ، وقال عطاء : نزلت في الخلفاء الأربع وجماعة من الصحابة ، وقيل : الآية على إطلاقها في كل مؤمن ، وقيل : لما جاء عمر بن الخطاب واعتذر من مقالته التي تقدّمت وقال : ما أردت إلا الخير فنزلت ، وقيل : إنّ قوما جاؤوا إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم فقالوا : إنا أصبنا ذنوبا عظاما فلم يردّ عليهم شيئا فانصرفوا فنزلت (أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً) أيّ سوء كان ملتبسا (بِجَهالَةٍ) أي : عمله وهو جاهل وفيه معنيان : أحدهما : أنه فاعل فعل الجهلة لأنّ من عمل ما يؤدّي إلى الضرر في العاقبة وهو عالم بذلك أو ظان فهو من أهل السفه والجهل لأنّ من أهل الحكمة والتدبير ومنه قول الشاعر (١) :
على أنها قالت عشية زرتها |
|
جهلت على عمد ولم تك جاهلا |
__________________
(١) يروى البيت بلفظ :
على أنها قالت عشية زرتها |
|
هبلت ألم ينبت لذا حلمه بعدي |