والثاني : أنه جاهل بما يتعلق به من المكروه والمضرّة ومن حق الحكيم أن لا يقدم على شيء حتى يعلم حاله وكيفيته ، وقيل : إنها نزلت في عمر رضي الله تعالى عنه حين أشار بإجابة الكفرة إلى ما سألوه ولم يعلم أنها مفسدة ، وقرأ نافع وابن عامر وعاصم أنه بفتح الهمزة على أنه بدل من الرحمة ، والباقون بالكسر على أنه ضمير الشان (ثُمَّ تابَ) أي : رجع (مِنْ بَعْدِهِ) أي : من بعد ارتكابه ذلك السوء (وَأَصْلَحَ) عمله (فَأَنَّهُ) أي : الله (غَفُورٌ) له (رَحِيمٌ) به ، وقرأ ابن عامر وعاصم بفتح الهمزة على تقدير : أن المغفرة له والباقون بالكسر.
(وَكَذلِكَ) أي : ومثل ذلك التفصيل الواضح وهو تفصيل أحوال الطوائف الأربع : الأولى : المطبوع على قلوبهم وهم من في آية (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) [الأنعام ، ٣٩] والثانية : المرجوّ إسلامهم وهم من في آية (وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ) [الأنعام ، ٥١] والثالثة : المطيعون وهم من في آية (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِ) [الأنعام ، ٥٢] والرابعة : الداخلون في الإسلام لكنهم لا يحفظون حدوده وهم من في آية (وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا) [الأنعام ، ٥٤] (نُفَصِّلُ الْآياتِ) أي : نبين آيات القرآن في صفة المطيعين والمجرمين المصرين منهم والأوّابين (وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ) أي : طريق (الْمُجْرِمِينَ) قرأ أبو بكر وشعبة وحمزة والكسائي بالياء بعد اللام على التذكير أي : وليظهر ويتضح سبيل المجرمين يوم القيامة إذا صاروا إلى النار والباقون بالتاء على الخطاب للنبيّ صلىاللهعليهوسلم أي : وليظهر لك الحق يا محمد ويتبين لك سبيلهم فتعامل كلا منهم بما يحق له ، وقرأ نافع سبيل بنصب ، اللام ، والباقون بالرفع.
(قُلْ) يا محمد لهؤلاء المشركين (إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ) أي : تعبدون (مِنْ دُونِ اللهِ) وهي الأصنام التي يعبدونها أو ما تدعونها آلهة أي : تسمونها لأنّ الجمادات أخس من أن تدعى وقوله تعالى : (قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ) تأكيد لقطع أطماعهم وبيان لمبدأ ضلالهم وأنّ ما هم عليه هوى وليس بهدى (قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً) أي : إن اتبعت أهواءكم فأنا ضال (وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) أي : وما أنا من المهديين في شيء أي : لأنكم كذلك.
(قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ) أي : بيان (مِنْ رَبِّي) أي : معرفة وأنه لا معبود سواه (وَ) قد (كَذَّبْتُمْ بِهِ) أي : بربي حيث أشركتم به غيره (ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ) أي : العذاب الذي استعجلوه بقولهم : (فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ) [الأنفال : ٣٢] (إِنِ) أي : ما (الْحُكْمُ) في ذلك وغيره (إِلَّا لِلَّهِ) فهو يفصل بين المختلفين ويقضي بإنزال العذاب متى شاء (يَقُصُّ الْحَقَ) قرأ نافع وابن كثير وعاصم بضم القاف وصاد مهملة مشدّدة مع الرفع ومعناه : يقول الحق ، لأن كل ما أخبر به فهو حق ، والباقون بسكون القاف وضاد معجمة مخففة مع الكسر أي : إنه تعالى يقضي القضاء الحق (وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ) أي : الحاكمين (قُلْ) لهم (لَوْ أَنَّ عِنْدِي) أي : في قدرتي ومكنتي (ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ) أي : من العذاب (لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) أي : لا نفصل ما بيني وبينكم بأن أهلككم عاجلا بما تستعجلون به من العذاب غضبا لربي ولكنه عند الله تعالى (وَاللهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ) أي : ما تستحقونه من العذاب والوقت الذي يستحقون فيه.
(وَعِنْدَهُ) سبحانه وتعالى (مَفاتِحُ الْغَيْبِ) أي : خزائنه جمع مفتح بفتح الميم وهو : المخزن
__________________
والبيت من الكامل ، وهو للنمر بن تولب في ديوانه ص ٣٤٢ ، وأساس البلاغة (نبت) ، وسمط اللآلي ص ٥٣٦ ، وأمالي القالي ١ / ٢٣٥ ، وفصل المقال ص ١٤٥.