صحائف تعرض على رؤوس الأشهاد في مواقف القيامة ، كان ذلك أزجر لهم عن القبيح وأبعد عن السوء (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا) أي : ملك الموت وأعوانه (وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ) أي : لا يقصرون فيما يؤمرون ، وقيل : ملك الموت وحده فذكر الواحد بلفظ الجمع وجاء في الأخبار أنّ الله تعالى جعل الدنيا بين يدي الموت كالمائدة الصغيرة فيقبض من ههنا ومن ههنا فإذا كثرت عليه الأرواح يدعوها فتستجيب له.
فإن قيل : قال الله تعالى في آية أخرى (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها) [الزمر ، ٤٢] وفي أخرى (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) [السجدة ، ١١] وقال هنا : (تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا) فكيف الجمع؟ أجيب : بأن المتوفي في الحقيقة هو الله تعالى فإذا حضر أجل العبد أمر الله تعالى ملك الموت أن يقبض روحه ولملك الموت أعوان من الملائكة يأمرهم بنزع روح ذلك العبد من جسده فإذا وصلت إلى الحلقوم تولى قبضها ملك الموت بنفسه فحصل الجمع بين الآيات ، وقال مجاهد : ما من أهل بيت شعر ولا مدر إلا وملك الموت يطوف بهم كل يوم مرّتين ، وقرأ حمزة بعد فاء توفته بألف ممالة على التذكير والباقون بالتاء على التأنيث وسكن السين من رسلنا أبو عمرو ورفعها الباقون.
(ثُمَّ رُدُّوا) أي : الخلق (إِلَى اللهِ) أي : إلى حكمه وجزائه (مَوْلاهُمُ) أي : سيدهم ومدبر أمورهم كلها (الْحَقِ) أي : الثابت الولاية وكل ولاية غير ولايته تعالى عدم (أَلا لَهُ الْحُكْمُ) أي : القضاء النافذ فيهم فلا حكم عليه (وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ) يحاسب الخلق كلهم في قدر نصف نهار من أيام الدنيا لحديث بذلك لأنه لا يحتاج إلى فكرة وروية وعقد يد فيحاسب خلقه بنفسه لا يشغله حساب بعضهم عن بعض.
(قُلْ) يا محمد لأهل مكة (مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) أي : من الخسف في البر والغرق في البحر أو من شدائدهما استعيرت الظلمة للشدّة لمشاركتهما في الهول وإبطال الأبصار فقيل لليوم الشديد : يوم مظلم ولغيره : يوم ذو كواكب ، وقيل : حمله على الحقيقة أولى وظلمات البر : هي ما اجتمع فيه من ظلمة الليل وظلمة السحاب فيحصل من ذلك الخوف الشديد لعدم الاهتداء إلى الطريق الصواب وظلمات البحر : ما اجتمع فيه من ظلمة الليل وظلمة السحاب وظلمة الرياح العاصفة والأمواج الهائلة فيحصل من ذلك أيضا الخوف الشديد من الوقوع في المهالك والمقصود : أنّ عند اجتماع هذه الأسباب الموجبة للخوف الشديد لا يرجع الإنسان فيها إلا إلى الله تعالى لأنه هو القادر على كشف الكروب وإزالة الشدائد وهو المراد من قوله : (تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً) أي : علانية (وَخُفْيَةً) أي : سرّا وقوله تعالى : (لَئِنْ) اللام لام القسم على إرادة القول أي : يقولون والله لئن (أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ) أي : الظلمات والشدائد (لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) لك على هذه النعمة ، والشكر : هو معرفة النعمة مع القيام بحقها لمن أنعم بها أي : فنكون من المؤمنين ، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي : أنجانا ، بحذف التاء وألف بعد الجيم بدل الياء ليوافق قوله تعالى : (تَدْعُونَهُ) وأمالها حمزة والكسائي والباقون بالتاء بعد الياء.
(قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ) أي : غمّ سوى ذلك (ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ) أي : تعودون إلى شركة الأصنام معه التي لا تضر ولا تنفع ولا توفون بالعهد وإنما وضع (تشركون) موضع لا تعبدون تنبيها على أنّ من أشرك في عبادة الله تعالى فكأنه لم يعبده (قُلِ) لهم (هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ) في كل وقت يريده (عَلَيْكُمْ) في كل حالة (عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ) بإرسال الصيحة والحجارة