تعادل المفدي (لا يُؤْخَذْ مِنْها) ما تفدى به (أُولئِكَ) أي : الذين عملوا هذه الأعمال البعيدة عن الخير (الَّذِينَ أُبْسِلُوا) أي : سلموا إلى العذاب (بِما كَسَبُوا) أي : بسبب أعمالهم القبيحة وعقائدهم الزائغة (لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ) أي : ماء هو في غاية الحرارة (وَ) لهم (عَذابٌ أَلِيمٌ) أي : مؤلم (بِما) أي : بسبب ما (كانُوا يَكْفُرُونَ) أي : هم بين ماء يغلي يتجرجر في بطونهم ونار تشعل في أبدانهم بسبب كفرهم.
(قُلْ) يا محمد لهؤلاء المشركين الذين دعوك إلى دين آبائهم (أَنَدْعُوا) أي : نعبد (مِنْ دُونِ اللهِ) أي : غيره (ما لا يَنْفَعُنا) أي : بعبادته (وَلا يَضُرُّنا) أي : بتركها وهم الأصنام (وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا) أي : نرجع إلى الشرك (بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللهُ) تعالى إلى التوحيد ودين الإسلام (كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ) أي : أضلته (الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ) حالة كونه (حَيْرانَ) تائها ضالا لا يهتدي لوجه ولا يدري كيف يسلك. وقرأ حمزة بعد الواو في (استهوته) بألف ممالة على التذكير ، والباقون بالتاء على التأنيث ، ورقق ورش راء (حيران) بخلاف عنه (لَهُ) أي : المستهوي (أَصْحابٌ) أي : رفقة (يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى) أي : إلى الطريق المستقيم وسماه هدى : تسمية للمفعول بالمصدر يقولون له : (ائْتِنا) فلا يجيبهم فيهلك والاستفهام للإنكار وجملة التشبيه للحال من ضمير نردّ وهذا مثل ضربه الله تعالى لمن يدعو إلى عبادة الأصنام التي لا تضر ولا تنفع ومن يدعو إلى عبادة الله عزوجل الذي يضر وينفع يقول : مثلهما كمثل رجل في رفقته ضل به الغيلان والشياطين عن الطريق المستقيم فجعل أصحابه من أهل رفقته يدعونه إليهم يقولون هلم إلى الطريق المستقيم وجعل الغيلان يدعونه إليهم فبقي حيران لا يدري أين يذهب فإن أجاب الغيلان ضل وهلك وإن أجاب أصحابه اهتدى وسلم (قُلْ) لهم (إِنَّ هُدَى اللهِ) الذي هو الإسلام (هُوَ الْهُدى) وحده وما عداه ضلال (وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) أي : بأن نخلص العبادة له لأنه المستحق العبادة لا غيره.
وقوله تعالى : (وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ) عطف على (لنسلم) أي : للإسلام ولإقامة الصلاة لأنّ فيهما ما يقرب إلى الله.
وروي أنّ عبد الرحمن بن أبي بكر دعا أباه إلى عبادة الأوثان فنزلت ، فإن قيل : إذا كان هذا واردا في شأن أبي بكر رضي الله تعالى عنه فكيف قيل للرسول صلىاللهعليهوسلم قل أندعو؟ أجيب : بأن ذلك إظهار للاتحاد الذي كان بينه صلىاللهعليهوسلم وبين المؤمنين خصوصا الصدّيق رضي الله تعالى عنه (وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ) لا إلى غيره بعد بعثكم من الموت (تُحْشَرُونَ) يوم القيامة فيجزيكم بأعمالكم.
(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) على عظمهما (بِالْحَقِ) أي : بسبب إقامة الحق ، وقيل : خلقهما بكلامه الحق الذي هو قوله تعالى : (كُنْ) وهو دليل على أنّ كلام الله تعالى ليس بمخلوق لأنه لا يخلق مخلوق بمخلوق (وَ) اذكر (يَوْمَ يَقُولُ) الله للخلق (كُنْ فَيَكُونُ) أي : فهو يكون وهو يوم القيامة يقول للخلق قوموا أحياء (قَوْلُهُ) تعالى : (الْحَقُ) أي : الصدق الواقع لا محالة (وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) أي : النفخة الثانية من إسرافيل عليه الصلاة والسّلام وإنما أخبر سبحانه وتعالى عن ملكه يومئذ وإن كان الملك له سبحانه وتعالى في كل وقت في الدنيا والآخرة لأنه لا منازع له يومئذ فإنّ من كان يدعي الملك من الجبابرة والفراعنة وسائر الملوك الذين كانوا في الدنيا قد زال ملكهم فاعترفوا أنّ الملك لله الواحد القهار وأنه لا منازع له تعالى فيه وعلموا أنّ الذي كانوا يدعونه من الملك في الدنيا غرور وباطل.