تنبيه : اختلف العلماء في الصور المذكور في الآية فقال قوم : هو قرن ينفخ فيه وهو لغة أهل اليمن ، وقال مجاهد : الصور قرن كهيئة البوق ويدل على صحة هذا القول ما روي أنّ أعرابيا جاء إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم فقال : ما الصور؟ قال : «قرن ينفخ فيه» (١).
وروي أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «كيف أنتم وقد التقم صاحب القرن القرن وحنى جبهته وأصغى سمعه ينتظر أن يؤمر فينفخ» فكان ذلك ثقل على الصحابة فقالوا : كيف نعمل يا رسول الله أو كيف نقول؟ قال : «قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا» (٢) وقال أبو عبيدة : الصور جمع صورة والنفخ فيها إحياؤها والأوّل أصح لما مرّ في الحديث ولإجماع أهل السنة أنّ المراد بالصور هو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل نفختين : نفخة الصعق ونفخة البعث للحساب (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) أي : ما غاب وما شوهد فلا يغيب عن علمه تعالى شيء (وَهُوَ الْحَكِيمُ) أي : في جميع أفعاله وتدبير خلقه (الْخَبِيرُ) بباطن الأشياء كظاهرها بكل ما يعملونه من خير أو شر.
(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ) اختلف العلماء في لفظة (آزر) فقال مجاهد : آزر اسم أبي إبراهيم وهو تارح ضبطه بعضهم بالحاء المهملة وبعضهم بالخاء المعجمة ، وقال البخاريّ في تاريخه الكبير : إبراهيم بن آزر وهو في التوراة تارخ فعلى هذا يكون لأبي إبراهيم اسمان : آزر وتارخ مثل يعقوب وإسرائيل اسمان لرجل واحد فيحتمل أن يكون اسمه آزر وتارخ لقب له وبالعكس ، فالله سماه آزر وإن كان عند النسابين والمؤرّخين اسمه تارح ليعرف بذلك وكان آزر أبو إبراهيم من كوثى وهي قرية من سواد الكوفة وقال سعيد بن المسيب ومجاهد : آزر اسم صنم كان والد إبراهيم يعبده وإنما سماه بهذا الاسم لأنّ من عبد شيئا أو أحبه جعل اسم ذلك المعبود أو المحبوب اسما له فهو كقوله تعالى : (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) [الإسراء ، ٧١] وقيل : معناه وإذ قال إبراهيم لأبيه : يا عابد آزر فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه والأوّل أصح لأن آزر اسم أبي إبراهيم لأنّ الله تعالى سماه به وأخرج البخاري في أفراده أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «يلقى إبراهيم عليه الصلاة والسّلام أباه آزر يوم القيامة على وجهه أي : آزر قترة وغبرة» (٣) الحديث سماه النبيّ صلىاللهعليهوسلم آزر أيضا ولم يقل أباه تارح كما نقل عن النسابين والمؤرخين فثبت بهذا أنّ اسمه الأصلي آزر لا تارح وكان أهل تلك البلاد وهم الكنعانيون يعتقدون إلهية النجوم في السماء والأصنام في الأرض فيجعلون لكل نجم صنما فإذا أرادوا التقرب إلى ذلك النجم عبدوا ذلك الصنم ليشفع لهم عند ذلك النجم فقال إبراهيم منكرا عليهم منبها لهم على ظهور فساد ما هو مرتكبه (أَتَتَّخِذُ) أي : أتكلف نفسك إلى خلاف ما تدعو إليه الفطرة الأولى بأن تجعل (أَصْناماً آلِهَةً) أي : تعبدها وتخضع لها ولا نفع فيها ولا ضر (إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ) أي : في اتفاقكم على هذا (فِي ضَلالٍ) أي : بعد عن الصراط المستقيم (مُبِينٍ) أي : ظاهر جدا ببديهة العقل مع مخالفته لكل نبيّ نباه الله تعالى من آدم عليهالسلام فمن بعده ، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو
__________________
(١) أخرجه الترمذي حديث ٣٢٤٤ ، وأبو داود حديث ٤٧٤٢ ، وأحمد في المسند ٢ / ١٦٢ ، ١٩٢.
(٢) أخرجه الترمذي حديث ٢٤٣١ ، وأحمد في المسند ١ / ٣٢٦ ، ٣ / ٧ ، ٤ / ٣٧٤ ، والحاكم في المستدرك ٤ / ٥٥٩.
(٣) أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء حديث ٣٣٥٠.