بفتح الياء والباقون بالسكون.
(وَكَذلِكَ) أي : ومثل هذا التبصير العظيم الشأن (نُرِي إِبْراهِيمَ) أي : نبصر وهي حكاية حال ماضية (مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : عجائبهما وبدائعهما والملكوت : أعظم الملك والتاء فيه للمبالغة كالرهبوت والرغبوت والرحموت من الرغبة والرهبة والرحمة ، وقال ابن عباس : خلق السموات والأرض ، وقال مجاهد وسعيد بن جبير : يعني آيات السموات والأرض وذلك إنه أقيم على صخرة وكشف له عن السموات حتى رأى العرش والكرسي وما في السموات من العجائب وحتى رأى مكانه في الجنة فذلك قوله تعالى : (وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا) [العنكبوت ، ٢٧] معناه : أريناه مكانه في الجنة وكشف له عن الأرض حتى نظر أسفل الأرضين ورأى ما فيها من العجائب.
وروي عن سلمان ورفعه بعضهم عن علي قال : «لما رأى إبراهيم ملكوت السموات والأرض أبصر رجلا على فاحشة فدعا عليه فهلك ثم أبصر آخر فأراد أن يدعو عليه فقال الرب تبارك وتعالى : يا إبراهيم إنك رجل مجاب الدعوة فلا تدعو على عبادي فإنما أنا من عبدي على ثلاث خلال : إمّا أن يتوب إليّ فأتوب عليه وإمّا أن أخرج منه نسمة تعبدني وإمّا أن يبعث إليّ فإن شئت عفوت عنه وإن شئت عاقبته» وفي رواية : «فإن تولى فإنّ جهنم من ورائه» (١).
وقال قتادة : ملكوت السموات : الشمس والقمر والنجوم وملكوت الأرض : الجبال والشجر والبحار. وقيل : إنّ هذه الرؤية كانت بعين البصيرة لأنّ ذلك لا يدرك إلا بالعقل فأريناه ذلك ليستدل به على توحيدنا (وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ :) واليقين عبارة عن علم يحصل بسبب التأمّل بعد زوال الشبهة لأنّ الإنسان في أوّل الحال لا ينفك عن شبهة فإذا كثرت الدلائل وتوافقت صارت سببا لحصول اليقين والطمأنينة في القلب وزالت الشبهة عند ذلك قال ابن عباس في (وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ :) جلي له الأمر سرّه وعلانيته فلم يخف عليه شيء من أعمال الخلائق فلما جعل يلعن أصحاب الذنوب قال الله تعالى إنك لا تستطيع هذا فردّه الله تعالى كما كان قبل ذلك.
(فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ) أي : دخل فيه (رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ) أي : غاب (قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ) وذلك أنّ إبراهيم صلىاللهعليهوسلم ولد في زمن نمروذ بن كنعان وكان النمروذ أول من وضع التاج على رأسه ودعا الناس إلى عبادته وكان له كهان ومنجمون فقالوا له : إنه يولد في بلدك هذه السنة غلام يغير دين أهل الأرض ويكون هلاكك وزوال ملكك على يديه ، ويقال : إنهم وجدوا ذلك في كتب الأنبياء ، وقال السدي : إنّ النمروذ رأى في منامه كأنّ كوكبا طلع فذهب بضوأي الشمس والقمر حتى لم يبق لهما ضوء ففزع من ذلك فزعا شديدا ودعا السحرة والكهنة فسألهم فقالوا : هو مولود يولد في ناحيتك في هذه السنة فيكون هلاكك وهلاك ملكك وأهل بيتك على يديه فأمر بذبح كل غلام يولد في ناحيته في تلك السنة وأمر بعزل الرجال عن النساء وجعل على كل عشرة رجلا فإذا حاضت المرأة خلى بينها وبين زوجها لأنهم كانوا لا يجامعون في الحيض فإذا طهرت حيل بينهما فرجع آزر فوجد امرأته قد طهرت فواقعها فحملت بإبراهيم.
قال محمد بن إسحاق : بعث نمروذ إلى كل امرأة حبلى بقربه يحسبها عنده إلا ما كان من أم إبراهيم فإنه لم يعلم بحبلها لأنها كانت صغيرة لم يعرف الحبل ببطنها ، وقال السدي : خرج نمروذ
__________________
(١) أخرجه السيوطي في الدر المنثور ٢ / ٤٥.