(وَمَنْ) أي : لا أحد (أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى) أي : اختلق (عَلَى اللهِ كَذِباً) فزعم أنّ الله بعثه نبيا كمسيلمة الكذاب والأسود العنسي ، أو اختلق عليه أحكاما كعمرو بن لحيّ ومتابعيه (أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ) قال قتادة : نزلت في مسيلمة الكذاب من بني حنيفة وكان يسجع ويتكهن فادّعى النبوّة وزعم أنّ الله تعالى أوحى إليه وكان قد أرسل إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم رسولين فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أتشهدان أن مسيلمة نبيّ» قالا : نعم ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لو لا أنّ الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما» (١) وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «بينا أنا نائم إذ أوتيت خزائن الأرض فوضع في يديّ سواران من ذهب فكبرا عليّ وأهماني فأوحى الله تعالى إلي أن انفحهما فنفحتهما فطارا فأولتهما الكذابين اللذين أنا بينهما صاحب صنعاء وصاحب اليمامة مسيلمة الكذاب» (٢) وفي لفظ الترمذي قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «رأيت في المنام كأن في يدي سوارين فأولتهما كذابين يخرجان بعدي يقال لأحدهما مسيلمة صاحب اليمامة والعنسي صاحب صنعاء» (٣) وقوله صلىاللهعليهوسلم : «فأوحى الله إلي أن انفحهما» بالحاء المهملة ومعناه الرمي والدفع من نفحت الدابة برجلها ويروى بالخاء المعجمة من النفخ وهو قريب من الأوّل فأمّا مسيلمة الكذاب فإنه ادعى النبوّة في اليمامة وتبعه قوم من بني حنيفة وقتل في خلافة أبي بكر قتله وحشيّ قاتل حمزة رضي الله تعالى عنهما وكان يقول : قتلت خير الناس يعني : حمزة ، وقتلت شرّ الناس يعني : مسيلمة الكذاب ، قتل الأوّل وهو كافر وقتل الثاني وهو مسلم ، وأمّا الأسود العنسي بالنون ويقال له : ذو الحمار ، ادعى النبوّة باليمن في آخر عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقتل في حياته صلىاللهعليهوسلم قبل موته بيومين وأخبر صلىاللهعليهوسلم أصحابه بقتله ، قتله فيروز الديلميّ فقال صلىاللهعليهوسلم : «فاز فيروز بقتل الأسود العنسي» (٤)(وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ) قال السدّي : نزلت في عبد الله بن أبي سرح وكان قد أسلم وكان يكتب للنبيّ صلىاللهعليهوسلم فكان إذا أملى عليه صلىاللهعليهوسلم سميعا بصيرا كتب عليما حكيما وإذا أملى عليه عليما حكيما كتب غفورا رحيما فلما نزلت (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) [المؤمنين ، ١٢] أملاها رسول الله صلىاللهعليهوسلم فعجب عبد الله من تفصيل خلق الإنسان فقال : تبارك الله أحسن الخالقين فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «اكتبها هكذا نزلت» (٥) فشك عبد الله بن أبي سرح وقال لئن كان محمد صادقا فقد أوحي إليّ مثل ما أوحي إليه فارتد عن الإسلام ولحق بالمشركين ثم رجع بعد ذلك إلى الإسلام فأسلم قبل فتح مكة حين نزول رسول الله صلىاللهعليهوسلم بمرّ الظهران وقال ابن عباس : (ومن قال : سأنزل مثل ما أنزل الله) يريد المستهزئين وهو جواب لقولهم : لو نشاء لقلنا مثل هذا ، قال العلماء : وقد دخل في حكم هذه الآية كل من افترى على الله كذبا في ذلك الزمان وبعده لأنّ خصوص السبب لا يمنع عموم الحكم.
(وَلَوْ تَرى) يا محمد (إِذِ الظَّالِمُونَ) حذف مفعوله لدلالة الظرف عليه ، أي : ولو ترى الظالمين المذكورين (فِي غَمَراتِ) أي : شدائد (الْمَوْتِ) من غمره الماء إذا غشيه فاستعير للشدة الغالبة (وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ) أي : لقبض أرواحهم كالمتقاضي الملازم لغريمه لا يفارقه ، أو
__________________
(١) تقدم الحديث مع تخريجه.
(٢) أخرجه البخاري في المغازي حديث ٤٣٧٥ ، ومسلم في الرؤيا حديث ٢٢٧٣.
(٣) أخرجه الترمذي في الرؤيا حديث ٢٢٩٢.
(٤) تقدم الحديث مع تخريجه.
(٥) أخرجه ابن حجر في الكاف الشاف في تخريج أحاديث الكشاف ٦٢ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ٩ / ٦٨.