(وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ) عطف أيضا على نبات أي : وأخرجنا به شجر الزيتون والرمّان (مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ) قال قتادة : معناه مشتبها ورقها مختلفا ثمرها لأن ورق الزيتون يشبه ورق الرمان ، وقيل : مشتبها في النظر مختلفا في الطعم والله سبحانه ذكر في هذه الآية أربعة أنواع من الشجر بعد ذكر الزرع وقدّم الزرع على سائر الأشجار لأنّ الزرع غذاء وثمار الأشجار فواكه والغذاء مقدّم على الفواكه وقدم النخل على غيرها لأنّ ثمرها يجري مجرى الغذاء وفيها من المنافع والخواص ما ليس في غيرها من الأشجار قال بعضهم وليس لنا أنثى من الشجر تحتاج إلى ذكر غير النخل أي : في تطييب ثمرها وذكر العنب عقب النخل لأنه من أشرف أنواع الفواكه ثم ذكر عقبه الزيتون لما فيه من البركة والنفع ثم ذكر بعده الرمان لما فيه من المنافع أيضا (انْظُرُوا) أيها المخاطبون نظر اعتبار (إِلى ثَمَرِهِ) قرأ حمزة والكسائيّ بضمّ الثاء والميم ، والباقون بالنصب ، وهو جمع ثمرة كشجرة وشجر وخشبة وخشب (إِذا أَثْمَرَ) أي : حين يبدو من أكمامه ضعيفا قليل النفع أو عديمه (وَ) انظروا إلى (يَنْعِهِ) أي : إلى إدراكه إذا أدرك وحان قطفه كيف يصير ذا نفع ولذة والمعنى انظروا نظر استدلال واعتبروا كيف أخرج الله هذه الثمرة اللطيفة من هذه الشجرة الكثيفة اليابسة وهو قوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ) أي : دلالات على قدرته تعالى على البعث وغيره فإنّ حدوث الأجناس المختلفة والأنواع المفننة من أصل واحد ونقلها من حال إلى حال لا يكون إلا بإحداث قادر يعلم تفاصيلها ويرجح ما تقتضيه حكمته مما يمكن من أحوالها ولا يعوقه عن فعله ندّ يعارضه أو ضد يعانده وخص المؤمنين بالذكر بقوله : (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) لأنهم المنتفعون بها بخلاف الكافرين ولذلك عقبه بتوبيخ من أشرك به والردّ عليه فقال تعالى : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَ) أي : الشياطين لأنهم أطاعوهم في عبادة الأوثان فجعلوها شركاء الله.
فإن قيل : (لله) مفعول ثان لجعلوا وشركاء مفعول أوّل ويبدل منه الجنّ فما فائدة التقديم؟ أجيب : بأنّ فائدته استعظام أن يتخذ لله شريك من جنّ أو إنس أو ملك فلذلك قدم اسم الله تعالى على الشركاء ، وقيل : المراد بالجنّ : الملائكة بأن عبدوهم وقالوا : الملائكة بنات الله وسماهم جنا لاجتنانهم تحقيرا لشأنهم ، وقال الكلبيّ : نزلت في الزنادقة أثبتوا الشركة لإبليس في الخلق فقالوا : الله خالق النور والناس والدواب والأنعام وإبليس خالق الظلمة والسباع والحيات والعقارب فيقولون : هو شريك الله في تدبير هذا العالم فما كان من خير فمن الله وما كان من شر فمن إبليس تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا وقوله تعالى : (وَخَلَقَهُمْ) حال بتقدير قد والضمير إمّا أن يعود إلى الجنّ فيكون المعنى والله خلق الجنّ فكيف يكون شريك الله عزوجل محدثا مخلوقا وإمّا أن يعود إلى الجاعلين لله شركاء فيكون المعنى وجعلوا لله الذي خلقهم شركاء لا يخلقون شيئا وهذا كالدليل القاطع بأنّ المخلوق لا يكون شريكا لله وكل ما في الكون محدث مخلوق والله تعالى خالق لجميع ما في الكون فامتنع أن يكون لله شريك في ملكه (وَخَرَقُوا) قرأه نافع بتشديد الراء ، والباقون بالتخفيف ، أي : اختلقوا (لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ) وهو قول أهل الكتابين في المسيح وعزير وقول قريش في الملائكة يقال : خلق الإفك وخرقه واختلقه واخترقه بمعنى وسئل الحسن عنه فقال : كلمة غريبة كانت العرب تقولها ، كان الرجل إذا كذب كذبة في نادي القوم يقول له بعضهم : قد خرقها والله (سُبْحانَهُ) تنزيها له (وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ) بأن له شريكا أو ولدا.
(بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : مبتدعهما من غير سبق مثال ورفع بديع على الخبر والمبتدأ محذوف أي : هو بديع أو على الابتداء والخبر (أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ) أي : من أين يكون له ولد