الشك في وجودها مانعا من أكلها كالشك في أصل الذبح (وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ) أي : يوسوسون (إِلى أَوْلِيائِهِمْ) من الكفار (لِيُجادِلُوكُمْ) في تحليل الميتة بقولهم : تأكلون ما قتلتم أنتم وجوارحكم وتدعون ما قتله الله وهذا يؤيد التأويل بالميتة (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ) أي : باستحلال ما حرم (إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) أي : مثلهم في الشرك ، قال الزجاج : فيه دليل على أنّ كل من أحل شيئا مما حرّم الله أو حرّم شيئا مما أحلّ الله فهو مشرك.
(أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً) أي : بالكفر (فَأَحْيَيْناهُ) أي : بالإيمان وإنما جعل الكفر موتا لأنه جعل الإيمان حياة لأنّ الحي صاحب بصر يهتدي به إلى رشده ، ولما كان الإيمان يهدي إلى الفوز العظيم والحياة الأبدية شبه بالحياة ، وقرأ نافع بتشديد الياء والباقون بالتخفيف (وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) أي : يتبصر به الحق من غيره وهو الإيمان ، وقال قتادة : هو كتاب الله القرآن بينة من الله مع المؤمن بها يعمل وبها يأخذ وإليها ينتهي (كَمَنْ مَثَلُهُ) أي : كمن هو (فِي الظُّلُماتِ) فمثل زائدة (لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها) وهو الكافر أي : ليس مثله. نزلت هذه الآية في حمزة بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه وأبي جهل بن هشام وذلك أنّ أبا جهل رمى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بفرث فأخبر حمزة بما فعل أبو جهل وهو راجع من قنصه وبيده قوس وحمزة لم يؤمن بعد فأقبل غضبان حتى علا أبا جهل بالقوس وهو يقول : يا أبا يعلى ما ترى ما جاء به سفه عقولنا وسفه آلهتنا وخالف آباءنا ، فقال حمزة : ومن أسفه منكم تعبدون الحجارة من دون الله أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنّ محمدا رسول الله ، وقيل : في عمر بن الخطاب أو عمار بن ياسر وأبي جهل. (كَذلِكَ) أي : كما زين للمؤمنين إيمانهم (زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي : من الكفر والمعاصي ، قال أهل السنة : المزين هو الله تعالى ويدل عليه قوله تعالى : زينا لهم أعمالهم وقالت المعتزلة : المزين هو الشيطان وردّ بالآية المذكورة.
(وَكَذلِكَ) أي : كما جعلنا فساق أهل مكة أكابرها (جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها) أي : عظماءها ، وأكابر : جمع أكبر كأفضل وأفاضل وأسود وأساود وذلك سنة الله تعالى أنه جعل في كل قرية أتباع الرسل ضعفاءهم كما قال في قصة نوح : (أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ) [الشعراء ، ١١١] وجعل فساقهم أكابرهم (لِيَمْكُرُوا فِيها) بالصدّ عن الإيمان وذلك أنهم أجلسوا على طرق مكة أربع نفر ليصرفوا الناس عن الإيمان بمحمد صلىاللهعليهوسلم يقولون لكل من يقدم : إياكم وهذا الرجل فإنه كاهن ساحر كذاب فكان هذا مكرهم (وَما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ) لأنّ وباله يحيق بهم (وَما يَشْعُرُونَ) أي : وما لهم نوع شعور بذلك.
(وَإِذا جاءَتْهُمْ) أي : أهل مكة (آيَةٌ) على صدق النبيّ صلىاللهعليهوسلم (قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ) به (حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ) أي : من النبوّة وذلك أنّ الوليد بن المغيرة قال للنبيّ صلىاللهعليهوسلم : لو كانت النبوّة حقا لكنت أولى بها منك لأني أكبر منك سنا وأكثر منك مالا فنزلت ، وقال مقاتل : نزلت في أبي جهل حين قال : زاحمنا بنو عبد مناف في الشرف حتى إذا صرنا كفرسي رهان قالوا : منا نبيّ يوحى إليه ، والله لا نرضى إلا أن يأتينا وحي كما يأتيه.
وقوله تعالى : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) استئناف للردّ عليهم بأن النبوّة ليست بالنسب والمال وإنما هي بفضائل نفسانية يخص الله بها من يشاء من عباده فيجتبي لرسالته من علم أنه يصلح لها وحيث مفعول به لفعل محذوف دل عليه (أعلم) لأنّ أفعل التفضيل لا ينصب المفعول به أي :