يعلم الموضع الصالح لوضعها فيه فيضعها وهؤلاء ليسوا أهلا لها ، وقرأ ابن كثير وحفص بنصب التاء ورفع الهاء ولا ألف قبل التاء على التوحيد ، والباقون بكسر التاء والهاء وألف قبل التاء على الجمع (سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا) بقولهم ذلك (صَغارٌ) أي : ذل وهوان (عِنْدَ اللهِ) يوم القيامة ، وقيل : تقديره من عند الله (وَعَذابٌ) أي : مع الصغار (شَدِيدٌ) أي : في الدنيا بالقتل والأسر وفي الآخرة بالنار (بِما) أي : بسبب ما (كانُوا يَمْكُرُونَ) من صدّهم الناس عن الإيمان وطلبهم ما لا يستحقونه.
(فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (١٢٥) وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (١٢٦) لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢٧) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلاَّ ما شاءَ اللهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (١٢٨) وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٢٩) يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ (١٣٠) ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ (١٣١) وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (١٣٢) وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ (١٣٣) إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (١٣٤) قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (١٣٥) وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ (١٣٦) وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ (١٣٧))
(فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) بأن يقذف في قلبه نورا فينفسح له ويقبله.
ولما نزلت هذه الآية سئل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن شرح الصدر فقال : «نور يقذفه الله في قلب المؤمن ينشرح له قلبه وينفسح» قيل : فهل لذلك أمارة ، قال : «نعم الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل لقي الموت» (١)(وَمَنْ يُرِدْ) أي : الله (أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً) أي : عن قبول الإيمان حتى لا يدخله ، وقرأ ابن كثير بسكون الياء ، والباقون بتشديدها مع الكسر ، وقوله تعالى : (حَرَجاً) قرأه نافع وأبو بكر بكسر الراء أي : شديد الضيق ، والباقون بالفتح وصفا للمصدر ، وفي الآية دليل على أنّ جميع الأشياء بمشيئة الله وإرادته حتى إيمان المؤمن وكفر الكافر (كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ) أي : يشق عليه الإيمان كما يشق عليه صعود السماء شبه مبالغته في ضيق صدره بمن يزاول ما لا يقدر عليه ، وقرأ ابن كثير بسكون الصاد
__________________
(١) أخرجه الحاكم في المستدرك ٤ / ٣١١ ، وابن أبي شيبة في المصنف ٣ / ٢٢٢ ، والسيوطي في الدر المنثور ٣ / ٤٥ ، والزبيدي في إتحاف السادة المتقين ٣٢٨.