وتخفيف العين من غير ألف بعد الصاد ، وقرأ شعبة بتشديد الصاد وتخفيف العين وألف بعد الصاد بمعنى يتصاعد (كَذلِكَ) أي : مثل ما جعل الله الرجس على من أراد ضلاله من أهل هذا الزمان (يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ) أي : العذاب أو الشيطان أي : يسلطه (عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) وقال الزجاج : الرجس في الدنيا اللعنة وفي الآخرة العذاب.
(وَهذا) أي : الدين الذي أنت عليه يا محمد (صِراطُ) أي : طريق (رَبِّكَ مُسْتَقِيماً) لا عوج فيه ونصبه على الحال المؤكدة للجملة والعامل فيها معنى الإشارة (قَدْ فَصَّلْنَا) أي : بينا (الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) فيه إدغام التاء في الأصل في الذال أي : يتعظون فيعلمون أن القادر على كل شيء هو الله عزوجل وأن كل ما يحدث من خير أو شرّ فهو بقضائه وقدره وخلقه وأنه تعالى عالم بأحوال العباد حكيم عادل فيما يفعل بهم وخصوا بالذكر لأنهم المنتفعون.
(لَهُمْ) أي : المتذكرين (دارُ السَّلامِ) هي الجنة وأضافها لنفسه في قول جميع المفسرين فإنّ السّلام كما قال الحسن : هو الله تعالى تشريفا لهم أو (وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ) [يونس ، ١٠] أو أراد بها دار السلامة (عِنْدَ رَبِّهِمْ) أي : ذخيرة لهم عنده لا يعلم كنهها غيره (وَهُوَ وَلِيُّهُمْ) أي : المتكفل بتولي أمورهم ولا يكلهم إلى أحد سواه (بِما) أي : بسبب ما (كانُوا يَعْمَلُونَ) من الأعمال الصالحة التي كانوا يتقرّبون بها إليه في الدنيا.
(وَ) اذكر يا محمد (يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ) أي : الخلق (جَمِيعاً) أي : لا نترك منهم أحدا ، وقرأ حفص بالياء والباقون بالنون ، وقوله تعالى : (يا مَعْشَرَ الْجِنِ) فيه حذف تقديره ويقال لهم : يا معشر الجنّ ، والمعشر الجماعة والمراد من الجنّ الشياطين (قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ) أي : من إضلالهم وإغوائهم حتى صار أكثرهم أتباعكم (وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ) أي : الذين أطاعوهم (مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ) أي : انتفع الإنس بتزيين الجنّ لهم الشهوات والجنّ بطاعة الإنس لهم (وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا) أي : إنّ ذلك الاستمتاع كان إلى أجل معين ووقت محدود ثم ذهب وبقيت الحسرة والندامة قال الحسن : الأجل الموت ، وقيل : هو وقت البعث للحساب في القيامة (قالَ) الله تعالى على لسان الملائكة لهؤلاء الذين استمتع بعضهم ببعض من الجنّ والإنس (النَّارُ مَثْواكُمْ) أي : مأواكم (خالِدِينَ فِيها) أي : إلى ما لا آخر له فإنّ الجزاء من جنس العمل (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) أي : من الأوقات التي ينقلون فيها من النار إلى الزمهرير.
فقد روي أنهم يدخلون واديا فيه من الزمهرير ما يميز بعض أوصالهم من بعض فيتعاوون ويطلبون الردّ إلى الجحيم ، وقيل : إلا ما شاء الله قبل الدخول قدر مدّة بعثهم ووقوفهم للحساب وقال ابن عباس : الاستثناء يرجع إلى قوم سبق في علم الله أنهم يسلمون فيخرجون من النار ، قال البغوي : ف (ما) بمعنى من على هذا التأويل (إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ) في صنعه (عَلِيمٌ) بعواقب أمور خلقه وما هم صائرون إليه.
(وَكَذلِكَ) أي : كما متعنا عصاة الإنس والجنّ بعضهم ببعض (نُوَلِّي) من الولاية (بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً) أي : على بعض.
روي عن ابن عباس في تفسيرها : هو أنّ الله تعالى إذا أراد بقوم خيرا ولى أمرهم خيارهم وإذا أراد بقوم شرا ولى أمرهم شرارهم (بِما) أي : بسبب ما (كانُوا يَكْسِبُونَ) من الكفر والمعاصي.