أنتم عليها (إِنِّي عامِلٌ) على حالتي التي أنا عليها والمعنى : اثبتوا على كفركم وعداوتكم لي فإني ثابت على الإسلام وعلى مصابرتكم ، والتهديد بصيغة الأمر مبالغة في الوعيد (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) غدا في القيامة (مَنْ) موصولة مفعول العلم (تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ) أي : العاقبة المحمودة في الدار الآخرة أنحن أم أنتم (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ) أي : يسعد (الظَّالِمُونَ) أي : الكافرون.
(وَجَعَلُوا) أي : كفار مكة (لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ) أي : خلق (مِنَ الْحَرْثِ) أي : الزرع (وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا) وذلك أنّ المشركين كانوا يجعلون لله من حروثهم وأنعامهم وثمارهم وسائر أموالهم نصيبا وللأوثان نصيبا فما جعلوه لله صرفوه إلى الضيفان والمساكين وما جعلوه للأصنام أنفقوه على الأصنام وخدمها فإن سقط شيء من نصيب الأوثان فيما جعلوه لله ردّوه إلى الأوثان وقالوا : إنها محتاجة وكان إذا هلك أو انتقص شيء مما جعلوه لله لم يبالوا به وإذا هلك شيء مما جعلوه للأصنام جبروه بما جعلوه لله فذلك قوله تعالى : (فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ) أي : ما جعلوه لها من الحرث والأنعام (فَلا يَصِلُ إِلَى اللهِ) أي : لجهته فلا يعطونه للمساكين ولا ينفقونه على الضيفان (وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ) وفي قوله تعالى : (مِمَّا ذَرَأَ) تنبيه على فرط جهالتهم فإنهم أشركوا مع الخالق تعالى في خلقه جمادا لا يقدر على شيء ثم رجحوه عليه بأن جعلوا الزاكي له. وفي قوله تعالى : (بِزَعْمِهِمْ) تنبيه على أن ذلك مما اخترعوه لم يأمرهم الله تعالى به ، وقرأ الكسائي برفع الزاي والباقون بالنصب (ساءَ) أي : بئس (ما يَحْكُمُونَ) حكمهم هذا.
(وَكَذلِكَ) أي : ومثل ما زين لجميع المشركين تضييع أموالهم والكفر بربهم شركاؤهم (زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ) أي : بالوأد خشية الإملاق (شُرَكاؤُهُمْ) من الجن أو من السدنة أي : الخدمة ، وقرأ غير ابن عامر بفتح الزاي والياء ونصب لام قتل وكسر دال أولادهم وشركاؤهم بالواو مضمومة الهمزة على أنه فاعل ، وقرأ ابن عامر بضم الزاي وكسر الياء ورفع لام قتل ونصب دال أولادهم وشركائهم بالياء مكسورة الهمزة بإضافة القتل إليه مفصولا بينهما بمفعوله قال البيضاوي تبعا للزمخشري : وهو ضعيف في العربية معدود من ضرورة الشعر. اه.
وقد أنكر جماعة على الزمخشري في ذلك بأن القراءة المذكورة صحيحة متواترة وتركيبها صحيح في العربية فلا يجوز الطعن فيها ولا في ناقلها. قال التفتازاني : وهذا على عادته يطعن في متواتر القراآت السبع ويسند الخطأ تارة إليهم كما هنا وتارة إلى الرواية عنهم وكلاهما خطأ لأنّ القراآت متواترة ، وكذا الروايات عنهم ، وأطال في بيان ذلك وقال ابن مالك في كافيته : إضافة المصدر إلى الفاعل مفصولا بينهما بمفعول المصدر جائزة في الاختيار إذ لا محذور فيها مع أنّ الفاعل كجزء من عامله فلا يضر فصله وإضافة القتل إلى الشركاء لأمرهم (لِيُرْدُوهُمْ) أي : ليهلكوهم بذلك الفعل الذي أمروهم به ، والإرداء في اللغة الإهلاك ، وقال ابن عباس : ليردوهم ، في النار (وَلِيَلْبِسُوا) أي : وليخلطوا (عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ) قال ابن عباس : ليدخلوا عليهم الشك في دينهم وكانوا على دين إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسّلام فوضعوا لهم هذه الأصنام وزينوها لهم (وَلَوْ شاءَ اللهُ) عصمة هؤلاء من ذلك القبيح الذي زين لهم (ما فَعَلُوهُ) فجميع الأشياء بمشيئته وإرادته (فَذَرْهُمْ) أي : اتركهم يا محمد (وَما يَفْتَرُونَ) أي : وما يختلقون من الكذب على الله فإن الله لهم بالمرصاد ، وفي ذلك تهديد لهم كما مرّ.