وتنسبونها إلى الله تعالى.
ولما احتج عليهم بهذه الحجة وبيّن أنه لا سند لهم في ذلك قال تعالى : (فَمَنْ) أي : لا أحد (أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى) أي : تعمد (عَلَى اللهِ كَذِباً) كعمرو بن لحي فإنه أوّل من بحر البحائر وسيب السوائب وغير دين إبراهيم عليهالسلام ويدخل في هذا الوعيد كل من كان على طريقته أو ابتدأ شيئا لم يأمر الله به ولا رسوله ونسب ذلك إلى الله تعالى لأن اللفظ عام فلا وجه للتخصيص فكل من أدخل في دين الله ما ليس منه فهو داخل في هذا الوعيد (لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) أي : لا يرشد ولا يوفق من كذب عليه وأضاف إليه ما لم يشرع لعباده.
ولما بين سبحانه وتعالى فساد طريقة أهل الجاهلية وما كانوا عليه من التحريم والتحليل من عند أنفسهم واتباع أهوائهم فيما أحلوه وحرموه من المطعومات أتبعه بالبيان الصحيح في ذلك وبين أن التحريم والتحليل لا يكون إلا بوحي سماوي وشرع نبوي فقال تعالى : (قُلْ) يا محمد لهؤلاء الجهلة الذين يحللون ويحرمون من عند أنفسهم (لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً) أي : طعاما محرّما مما حرمتموه.
فائدة : (في ما أوحي إليّ) (في) مقطوعة من (ما) في الرسم (عَلى طاعِمٍ) أيّ طاعم كان من ذكر أو أنثى (يَطْعَمُهُ) أي : يتناوله أكلا أو شربا أو داء أو غير ذلك (إِلَّا أَنْ يَكُونَ) أي : ذلك الطعام (مَيْتَةً) وهي كل ما زالت حياته بغير ذكاة شرعية ، وقرأ ابن كثير وابن عامر وحمزة تكون بالتأنيث والباقون بالتذكير ورفع ميتة ابن عامر على أنّ كان هي التامة ، وعلى هذه القراءة يكون قوله تعالى : (أَوْ دَماً مَسْفُوحاً) عطفا على (أن) مع ما في حيزه أي : إلا وجود ميتة أو دما مسفوحا أي : مصبوبا كالدم في العروق لا كالكبد والطحال (أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ) أي : الخنزير (رِجْسٌ) أي : نجس فالضمير يعود على المضاف إليه لأنّ اللحم دخل في قوله (مَيْتَةً) وحينئذ ففي الآية دلالة على نجاسة الخنزير وهو حي فلحمه وكذا سائر أجزائه بطريق الأولى ثم إني رأيت البقاعي في تفسيره جرى على ذلك وقوله تعالى : (أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) أي : ذبح على اسم غيره عطف على (لحم خنزير) وما بينهما اعتراض للتعليل.
تنبيه : ظاهر الآية أنّ المحرمات محصورة في هذه الأربعة وأنه لا يحرم شيء من سائر المطعومات والحيوانات غيرها وهي الميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير وما ذبح على اسم غير الله تعالى ، ويروى ذلك عن ابن عباس وعائشة وسعيد بن جبير رضي الله تعالى عنهم لأنه ثبت أنه لا طريق إلى معرفة المحرّمات إلا بوحي وثبت أنّ الله تعالى نص في هذه الآية على هذه الأربعة أشياء وقال تعالى في (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ) [البقرة ، ١٧٣] و (إنما) تفيد الحصر فصارت هذه الآية المدنية مطابقة للآية المكية في الحكم ولكن الذي ذهب إليه جمهور العلماء أنّ التحريم لا يختص بهذه فقط بل المحرّم ما كان بنص كتاب أو سنة ، وقد وردت السنة بتحريم أشياء غير ذلك منها تحريم الحمر الأهلية وكل ذي ناب من السباع أو مخلب من الطيور وورد النهي عن أكل الهر وأكل ثمنه ويحرم أيضا كل ما أمر بقتله كالحدأة والغراب الأبقع أو نهي عن قتله كالهدهد والخفاش وما لا نص فيه بتحريم أو تحليل أو بما يدل على أحدهما كالأمر بالقتل والنهي عنه إن استطابته عرب ذوو يسار وطباع سليمة حال رفاهية حل وإن استخبثوه فلا يحل فإن اختلفوا في استطابته اتبع الأكثر فإن استووا فقريش لأنهم قطب العرب وفيهم الفتوّة فإن اختلفت أو لم تحكم بشيء اعتبر الأشبه به من الحيوانات فإن استوى الشبهان أو لم يوجد ما يشبهه