فحلال لهذه الآية وما جهل اسمه عمل بتسمية العرب له مما هو حلال أو حرام.
ولما حرّم الله تعالى هذه الأشياء أباح أكلها عند الاضطرار بقوله تعالى : (فَمَنِ اضْطُرَّ) أي : حصل له جوع خشي منه التلف (غَيْرَ باغٍ) أي : على مضطر مثله (وَلا عادٍ) أي : ولا متجاوز قدر الضرورة ، وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر والكسائي بضم النون في الوصل والباقون بالكسر (فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ) لا يؤاخذه بالأكل (رَحِيمٌ) به حيث أباح له ذلك.
(وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا) أي : اليهود واليهود : علم على قوم موسى عليه الصلاة والسّلام وسموا به اشتقاقا من هادوا أي : مالوا إما عن عبادة العجل وإما عن دين موسى عليهالسلام أو من هاد إذا رجع من خير إلى شر أو من شر إلى خير لكثرة انتقالهم عن مذاهبهم وقيل : لأنهم يتهوّدون أي : يتحرّكون عند قراءة التوراة وقيل : معرب من يهوذا بن يعقوب بالذال المعجمة ثم نسب إليه فقيل : يهودي ثم حذف الياء في الجمع فقيل : يهود (حَرَّمْنا) أي : بسبب ظلمهم عليهم (كُلَّ ذِي ظُفُرٍ) أي : ما هو كالإصبع للآدمي من دابة أو طير وكان بعض ذوات الظفر حلالا لهم فلما ظلموا حرّم عليهم فعم التحريم كل ذي ظفر بدليل قوله تعالى : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) [النساء ، ١٦٠] (وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ) أي : التي هي ذوات الأظلاف (حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما) أي : الصنفين والمراد شحم الجوف وهو الثروب قال الجوهري : هو شحم قد غشي الكرش والأمعاء رقيق ثم استثنى من الشحوم ما ذكره بقوله : (إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما) أي : إلا ما علق بالظهر والجنب من داخل بطونهما (أَوِ الْحَوايا) أي : ما حملته الحوايا وهي الأمعاء التي هي متعاطفة ملوية جمع حوية فوزنها فعائل كسفينة وسفائن ، وقيل : جمع حاوية أو حاوياء كقاصعاء فهو فواعل (أَوْ مَا اخْتَلَطَ) أي : من الشحوم (بِعَظْمٍ) مثل شحم الإلية فإن ذلك لا يحرم عليهم.
روي أنه صلىاللهعليهوسلم قال عام الفتح وهو بمكة : «إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام» فقيل : يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنها تطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس فقال : «لا هو حرام» أي : بيعها فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم عند ذلك : «قاتل الله اليهود إن الله تعالى لما حرم عليهم شحومهما أجملوه أي : أذابوه ثم باعوه وأكلوا ثمنه» (١)(ذلِكَ) أي : التحريم العظيم وهو تحريم الطيبات (جَزَيْناهُمْ) به (بِبَغْيِهِمْ) أي : بسبب مجاوزتهم الحدود (وَإِنَّا لَصادِقُونَ) أي : في الإخبار عما حرمنا عليهم وعن بغيهم.
(فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (١٤٧) سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ (١٤٨) قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (١٤٩) قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هذا فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (١٥٠) قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا
__________________
(١) أخرجه البخاري في البيوع حديث ٢٢٣٦ ، ومسلم في المساقاة حديث ١٥٨١ ، وأبو داود في البيوع حديث ٣٤٨٦ ، والنسائي في البيوع حديث ٤٦٦٩.