تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٥١) وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (١٥٢) وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٥٣) ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (١٥٤) وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٥٥) أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ (١٥٦) أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللهِ وَصَدَفَ عَنْها سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ (١٥٧))
(فَإِنْ كَذَّبُوكَ) أي : اليهود يا محمد فيما أخبرناك به عنهم (فَقُلْ) لهم (رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ) أي : بتأخير العذاب عنكم فلم يعاجلكم بالعقوبة في ذلك تلطفا بدعائهم إلى الإيمان (وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ) أي : عقابه (عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) إذا جاء وقته وقيل : ذو رحمة واسعة للمطيعين وذو بأس شديد للمجرمين.
وقوله تعالى : (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) إخبار عن مستقبل وقوع مخبره يدل على إعجازه ، ولما لزمتهم الحجة وتيقنوا بطلان ما كانوا عليه من الشرك بالله وتحريم ما لم يحرمه الله قالوا : (لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ) أرادوا أن يجعلوا قولهم : لو شاء الله ما أشركنا حجة لهم على إقامتهم على الشرك وقالوا : إن الله قادر على أن يحول بيننا وبين ما نحن فيه حتى لا نفعله فلو لا أنه رضي ما نحن فيه وأراده منا وأمرنا به لحال بيننا وبين ذلك فقال الله تعالى تكذيبا لهم : (كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي : من كفار الأمم الماضية (حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا) أي : عذابنا ويستدل أهل القدر بهذه الآية يقولون : إنهم لما قالوا : (لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا) كذبهم الله ورد عليهم فقال : (كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) وأجاب أهل السنة : بأن التكذيب ليس في قولهم لو شاء الله ما أشركنا بل ذلك القول صدق ولكن في قولهم : إن الله أمرنا بها ورضي ما نحن عليه كما أخبر تعالى عنهم في سورة الأعراف (وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللهُ أَمَرَنا بِها) [الأعراف ، ٢٨] فالرد عليهم في هذا كما قال تعالى : (قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ) [الأعراف ، ٢٨] والدليل على أنّ التكذيب ورد فيما قلنا لا في قولهم : (لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا) قوله تعالى : (كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) بالتشديد ولو كان (كذلك) خبرا من الله عن كذبهم في قولهم : (لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا) لقال : كذب الذين من قبلهم بالتخفيف وكان ينسبهم إلى الكذب لا إلى التكذيب ، وقال الحسين بن الفضل : لو ذكروا هذه المقالة تعظيما وإجلالا لله تعالى ومعرفة منهم لما عابهم بذلك لأنّ الله تعالى قال : (وَلَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكُوا) [الأنعام ، ١٠٧] وقال تعالى : (ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [الأنعام ، ١١١] والمؤمنون يقولون ذلك ولكنّ المشركين قالوا تكذيبا وتحريضا وجدلا من غير معرفة بالله وبما يقولون نظيره قوله تعالى : (وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ) [الزخرف ، ٢٠] قال الله تعالى : (ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) [الزخرف ، ٢٠] وقد علم من ذلك أن أمر الله تعالى بمعزل عن مشيئته وإرادته فإنه مريد لجميع الكائنات غير آمر بجميع ما يريد وعلى العبد أن يتبع أمره وليس له أن يتعلق بمشيئته فإنّ مشيئته لا تكون عذرا لأحد.