(قُلْ) يا محمد لهؤلاء المشركين القائلين ما ذكر (هَلْ عِنْدَكُمْ) أيها الجهلة (مِنْ عِلْمٍ) أي : من أمر معلوم يصح الاحتجاج به على ما زعمتم من تحريم ما حرمتم وأنّ الله راض بشرككم (فَتُخْرِجُوهُ لَنا) أي : فتنظروه لنا وتبينوه لنا كما بينا لكم خطأكم (إِنْ) أي : ما (تَتَّبِعُونَ) في ذلك (إِلَّا الظَّنَ) أي : فيما أنتم عليه ولا علم عندكم (وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ) أي : وما أنتم في ذلك كله إلا تكذبون وتقولون على الله تعالى الباطل.
(قُلْ) لهم حين عجزوا عن إظهار الحجة (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) أي : التامة على خلقه بإنزال الكتب وإرسال الرسل ، قال الربيع بن أنس : لا حجة لأحد عصى الله وأشرك به على الله ولكن لله الحجة البالغة على عباده (فَلَوْ شاءَ) الله هدايتكم (لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) ولكنه لم يشأ ذلك بل شاء هداية بعض وضلال بعض آخر فوقع ذلك على الوجه الذي شاءه لا يسأل عما يفعل.
(قُلْ) لهم (هَلُمَ) أي : أحضروا (شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ) لكم (أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هذا) أي : ما تقدّم من تحريمهم الأشياء على أنفسهم ودعواهم أنّ الله أمرهم به ، وهلم اسم فعل لا يتصرّف يستوي فيه الواحد والاثنان والجمع والمذكر والمؤنث عند الحجازيين ، وعند بني تميم فعل مؤنث ويثنى ويجمع (فَإِنْ شَهِدُوا) أي : فإن تجرؤوا على الشهادة كذبا (فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ) أي : فاتركهم ولا تسلم لهم فإنهم على ضلال وليست شهادتهم مستندة إلا إلى الهوى (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) إنما وضع المظهر موضع المضمر للدلالة على أن مكذب الآيات متبع الهوى لا غير وأن متبع الحجة لا يكون إلا مصدقا بها (وَ) لا تتبع أهواء (الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) التي هي دار الجزاء فإنهم لو جوّزوها ما اجترؤوا على ذلك (وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) أي : يشركون فيجعلون له عديلا.
(قُلْ) لهم (تَعالَوْا) أي : أقبلوا علي (أَتْلُ) أي : أقرأ (ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) وذلك أنهم سألوا وقالوا : أي الذي حرم الله؟ فأمر الله تعالى نبيه أن يبين لهم ذلك.
فإن قيل : ما معنى قوله تعالى : (حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ) والمحرم هو الشرك لا ترك الشرك؟ أجيب : بأنّ موضع (أن) رفع أي : هو أن لا تشركوا ، وقيل : نصب واختلفوا في وجهه فقيل : معناه حرّم عليكم أن تشركوا و (لا) صلة كقوله تعالى : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ) [الأعراف ، ١٢] أي : ما منعك أن تسجد ، وقيل : تم الكلام عند قوله : (حَرَّمَ رَبُّكُمْ) ثم قال : (عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) على وجه الإغراء ، وقال الزجاج : يجوز أن يكون هذا محمولا على المعنى أي : أتل عليكم تحريم الشرك وجائز أن يكون على معنى أوصيكم أن لا تشركوا (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) أي : فأحسنوا بهم إحسانا ، وضعه موضع النهي عن الإساءة إليهما للمبالغة وللدلالة على أن ترك الإساءة في شأنهما غير كاف بخلاف غيرهما (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ) أي : من أجل فقر تخافونه ، والمراد بالقتل وأد البنات وهنّ أحياء وكانت العرب تفعل ذلك في الجاهلية فنهاهم الله تعالى عن ذلك وحرمه عليهم وقوله تعالى : (نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) منع لموجبية ما كانوا يفعلونه لأجله واحتجاج عليهم لأنّ الله تعالى إذا تكفل برزق الوالد والولد وجب على الوالد القيام بحق الولد وتربيته والاتكال في أمر الرزق على الله (وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ) أي : سائر المعاصي (ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) أي : علانيتها وسرها ، وقيل : المراد الزنا علانيته وسره وكان أهل الجاهلية يستقبحون الزنا في العلانية ولا يرون به بأسا في السر فحرم الله عزوجل الزنا في السر والعلانية ، وأجاب الأوّل بأنّ السبب إذا كان خاصا لا يمنع من حمل اللفظ على العموم ثم صرح بالقتل لشدة