تعالى : (دِيناً) بدل من محل إلى صراط مستقيم ، والمعنى : وهداني صراطا كقوله تعالى : (وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً) [الفتح ، ٢٠] (قِيَماً) أي : مستقيما ، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بفتح القاف وكسر الياء مشدّدة والباقون بكسر القاف وفتح الباء مخففة على أنه مصدر نعت به وكان قياسه قوما فاعل لإعلال فعله كالقيام ، وقوله تعالى : (مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) عطف بيان ل (دينا) إذ الملة بالكسر لدين وإن فرق بينهما بأن الملة لا تضاف إلا إلى النبيّ الذي تستند إليه ، والدين لا تختص إضافته بذلك ، وقوله تعالى : (حَنِيفاً) حال من إبراهيم أي : مائلا من الضلالة إلى الاستقامة والعرب تسمي كل من حج أو اختتن حنيفا تنبيها على أنه دين إبراهيم عليه الصلاة والسّلام وقوله تعالى : (وَما كانَ) إبراهيم صلىاللهعليهوسلم (مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ردّ على كفار قريش لأنهم يزعمون أنهم على دين إبراهيم فأخبر الله تعالى أنّ إبراهيم لم يكن من المشركين.
(قُلْ) يا محمد (إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي) أي : عبادتي من حج وغيره (وَمَحْيايَ وَمَماتِي) أي : وما أنا عليه في حياتي وأموت عليه من الإيمان والطاعة أو طاعات الحياة والخيرات المضافة إلى الممات كالوصية والتدبير أو الحياة والممات أنفسهما ، وقرأ نافع : ومحياي بسكون الياء بخلاف عن ورش إجراء للوصل مجرى الوقف والباقون بالفتح ، وفتح الياء من مماتي نافع وسكنها الباقون (لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.)
(لا شَرِيكَ لَهُ) في ذلك (وَبِذلِكَ) أي : وبهذا التوحيد (أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) أي : من هذه الأمّة لأنّ إسلام كل نبيّ مقدّم على إسلام أمّته ، وقرأ نافع بمد أنا قبل الهمزة المفتوحة وقالون بالمدّ والقصر لأنها عنده مدّ منفصل والباقون لا مدّ أصلا.
(قُلْ) يا محمد لهؤلاء الكفار من قومك (أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي) أي : أطلب (رَبًّا) أي : إلها فأشركه في عبادتي وهذا جواب عن دعائهم له إلى عبادة آلهتهم والهمزة للإنكار أي : منكر أن أبغي ربا غيره (وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ) فكل من دونه مربوب ليس في الوجود من له الربوبية غيره كما قال تعالى : (قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ) [الزمر ، ٦٤] (وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ) ذنبا (إِلَّا عَلَيْها) أي : إثم الجاني عليه لا على غيره وقوله تعالى : (وَلا تَزِرُ) أي : ولا تحمل نفس (وازِرَةٌ) أي : آثمة (وِزْرَ) نفس (أُخْرى) جواب عن قولهم : اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ) يوم القيامة (فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) في الدنيا فيتبين الرشد من الغي والمحق من المبطل.
(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ) جمع خليفة لأنّ محمدا صلىاللهعليهوسلم خاتم النبيين فخلفت أمّته سائر الأمم أو يخلف بعضهم بعضا فيها أو هم خلفاء الله تعالى في أرضه يملكونها ويتصرفون فيها (وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ) أي : في الشرف والرزق (لِيَبْلُوَكُمْ) أي : ليختبركم (فِي ما آتاكُمْ) أي : أعطاكم ليظهر المطيع منكم والعاصي.
فائدة : (في) تكتب مقطوعة عن (ما) (إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ) لمن عصاه لأنّ ما هو آت قريب أو لأنه يسرع إذا أراده (وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ) للمؤمنين (رَحِيمٌ) بهم وصف الله تعالى العقاب ولم يضفه إلى نفسه ووصف تعالى ذاته بالمغفرة وضم إليه الوصف بالرحمة وأتى ببناء المبالغة واللام المؤكدة تنبيها على أنه تعالى غفور بالذات معاقب بالعرض كثير الرحمة مبالغ فيها قليل العقوبة مسامح فيها فنسأل الله العظيم أن يسامحنا وأن يغفر زلاتنا ولا يؤاخذنا بسوء أفعالنا وأن يفعل ذلك بوالدينا وأقاربنا وأحبابنا وأصحابنا وجميع المسلمين ولا حول ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم.