«ما أنا عليه وأصحابي» وقرأ حمزة بتخفيف الراء وألف قبلها والباقون بتشديدها ولا ألف (وَكانُوا شِيَعاً) أي : فرقا مختلفة وهم اليهود والنصارى في قول مجاهد وقتادة كأهل الكتاب فإنهم ابتدعوا في دينهم بدعا أو صلتهم إلى تكفير بعضهم بعضا فآمنوا ببعض الأنبياء وكفروا ببعض وكالمجوس الذين فرّقوا دينهم باعتقاد أن الإله اثنان : النور والظلمة وعبدوا الأصنام والنجوم وجعلوا لكل نجم قسما يتوسل به في زعمهم إليه ، وقيل : هم أهل البدع وأصحاب الأهواء من هذه الأمّة.
روي أنه صلىاللهعليهوسلم قال لعائشة : «يا عائشة إنّ الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعا هم أهل البدع وأصحاب الأهواء من هذه الأمّة» (١) وعن العرباض بن سارية قال : «صلى بنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم الصبح فوعظنا موعظة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال قائل : يا رسول الله كأنها موعظة مودّع فأوصنا قال : «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن كان عبدا حبشيا فإنّ من يعيش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإنّ كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة» (٢). وروي : «إنّ أحسن الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد صلىاللهعليهوسلم وشر الأمور محدثاتها» (٣)(لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) أي : من السؤال عنهم فلا تتعرّض لهم (إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ) يتولى جزاءهم (ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ) فيجازيهم به وهذا منسوخ بآية السيف.
(مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) أي : عشر حسنات أمثالها فضلا من الله تعالى (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها) أي : جزاءها قضية للعدل (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) أي : بنقص الثواب وزيادة العقاب ، وما ذكر في أضعاف الحسنات هو أقل ما عد من الأضعاف فقد قال صلىاللهعليهوسلم : «إذا أحسن أحدكم إسلامه فكل حسنة يعملها تكتب له بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف وكل سيئة يعملها تكتب بمثلها حتى يلقى الله عزوجل» (٤) وقال صلىاللهعليهوسلم : «يقول الله عزوجل : من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وأزيد ومن جاء بالسيئة فله سيئة مثلها وأغفر ومن تقرّب مني شبرا تقرّبت منه ذراعا ومن لقيني بقراب أهل الأرض خطيئة لا يشرك بي شيئا لقيته بمثلها مغفرة» (٥) وقال صلىاللهعليهوسلم : «يقول الله تبارك وتعالى : إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها فإن عملها فاكتبوها بمثلها وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة وإن عملها فاكتبوها بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف» (٦) وقال ابن عمر رضي الله تعالى عنهما : الآية في غير الصدقات من الحسنات ، فأمّا الصدقات فإنها تضاعف سبعمائة ضعف.
(قُلْ) يا محمد لهؤلاء المشركين من قومك (إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) بالوحي والإرشاد إلى ما نصب من الحجج ، وقرأ نافع وأبو عمرو بفتح الياء والباقون بالسكون ، وقوله
__________________
(١) أخرجه المتقي الهندي في كنز العمال ٢٩٨٦.
(٢) أخرجه أبو داود في السنة حديث ٤٦٠٧ ، والترمذي في العلم حديث ٢٦٧٦ ، وابن ماجه في المقدمة حديث ٤٢.
(٣) أخرجه البخاري في الأدب حديث ٦٠٩٨ ، والنسائي في العيدين حديث ١٥٧٨ ، وابن ماجه في المقدمة حديث ٤٥.
(٤) أخرجه البخاري في الإيمان حديث ٤٢ ، ومسلم في الإيمان حديث ١٢٩.
(٥) أخرجه مسلم في الذكر حديث ٢٦٨٧ ، وابن ماجه في الأدب حديث ٢٨٢١.
(٦) أخرجه البخاري في التوحيد حديث ٧٥٠١ ، ومسلم في الإيمان حديث ١٢٩.