ضيق (مِنْهُ) أي : لا يضيق صدرك بالإبلاغ وتأدية ما أرسلت به مخافة أن تكذب لأنه كان يخاف قومه وتكذيبهم له وإعراضهم عنه وأذاهم كان يضيق صدره من الأذى ولا ينبسط له فأمنه الله ونهاه عن المبالاة بهم ، وقيل : الحرج الشك والخطاب للنبيّ صلىاللهعليهوسلم ، والمراد أمته وسمي الشك حرجا لأنّ الشاك ضيق الصدر كما أنّ المتيقن منشرح الصدر وقوله تعالى : (لِتُنْذِرَ) متعلق بأنزل أي : للإنذار به (وَذِكْرى) أي : وتذكرة (لِلْمُؤْمِنِينَ) به وحذف المفعول يدل على عموم الرسالة لكل من أمكن إنذاره وتذكيره من العقلاء ، قال بعض المفسرين : وهذا من المؤخر الذي معناه التقديم تقديره كتاب أنزلناه إليك لتنذر به ، وذكرى للمؤمنين فلا يكن في صدرك حرج منه ويدل لهذا تعلق لتنذر بأنزل.
وقوله تعالى : (اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) يعني القرآن والسنة لقوله تعالى : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) [النجم ، الآيات : ٢ ـ ٣] ولقوله تعالى : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) [الحشر ، ٧] أي : قل لهم يا محمد اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم وذروا ما أنتم عليه من الشرك (وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ) أي : ولا تتخذوا من دون الله أي : غيره (أَوْلِياءَ) تطيعونهم من شياطين الإنس والجن فيأمروكم بعبادة الأصنام واتباع البدع والأهواء الفاسدة (قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) أي : تتعظون ، وقرأ ابن عامر بياء قبل التاء وتخفيف الذال ، وقرأ حفص وحمزة والكسائي بتخفيف الذال ولا ياء قبل التاء والباقون بتشديد الذال ولا ياء قبل التاء.
(وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها) أي : أهلكنا أهلها ، وقيل : لا يحتاج إلى تقدير مضاف لأنّ القرية تهلك كما يهلك أهلها وإنما يقدّر في (فجاءها) لأجل قوله تعالى : (أَوْ هُمْ قائِلُونَ) و (كم) خبرية مفعول أهلكنا وهي للتكثير والإهلاك على حقيقته أو يقدّر أردنا إهلاكها لقوله تعالى : (فَجاءَها) أي : أهلها (بَأْسُنا) أي : عذابنا فإنّ مجيء البأس قبل الإهلاك فتقدر الإرادة ، وقيل : الإهلاك الخذلان وعلى هذا فلا حاجة إلى تقدير (بَياتاً) أي : وقت الاستكان في البيوت ليلا كما جاء قوم لوط عليهالسلام (أَوْ هُمْ قائِلُونَ) أي : نائمون وقت القائلة وهي نصف النهار أو مستريحون من غير نوم كما أهلكنا قوم شعيب عليهالسلام أي : مرّة جاءها ليلا ومرّة نهارا وإنما خص هذين الوقتين لأنهما وقت دعة واستراحة فيكون مجيء العذاب فيهما أفظع ، وفي هذا وعيد وتخويف للكفار كأنه قيل : لا تغتروا بأسباب الأمن والراحة فإنّ عذاب الله إذا نزل نزل دفعة واحدة.
(فَما كانَ دَعْواهُمْ) أي : قولهم (إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا) أي : عذابنا (إِلَّا أَنْ قالُوا) أي : إلا قولهم (إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) أي : فيما كنا عليه حيث لم نتبع ما أنزل إلينا من ربنا وذلك حين لا ينفعهم الاعتراف.
(فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ) أي : المرسل إليهم وهم الأمم يسألهم الله تعالى عن قبول الرسالة وإجابتهم الرسل (وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) أي : عما أجيبوا به كما قال تعالى (يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ) [المائدة ، ١٠٩] وقيل : نسأل المرسلين عن الإبلاغ والمراد من هذا السؤال توبيخ الكفرة وتقريعهم والمنفي في قوله تعالى : (وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) [القصص ، ٧٨] سؤال الاستعلام الأوّل في موقف الحساب ، وهذا عند حصولهم على العقوبة.
(فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ) أي : الرسل والمرسل إليهم (بِعِلْمٍ) لنخبرنهم عن علم بما فعلوه باطنا وظاهرا وبما قالوه سرا وعلانية (وَما كُنَّا غائِبِينَ) عنهم فيخفى علينا شيء من أحوالهم وأقوالهم.
(وَالْوَزْنُ) أي : لصحائف الأعمال بميزان له لسان وكفتان ينظر إليها الخلائق إظهارا للعدل