معلوم عند الله كما نزل بالأمم الماضية (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ) أي : حان وقتهم (لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً) عنه (وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) ساعة عليه وإنما ذكرت الساعة وإن كان دونها كذلك لأنها أقل اسم للأوقات في العرف وذلك حين سألوا نزول العذاب فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وقرأ قالون والبزي وأبو عمرو بإسقاط الهمزة الأولى مع المدّ والقصر ، وورش وقنبل سهلا الثانية وأبدلاها حرف مد والباقون بالتحقيق فيهما.
(يا بَنِي آدَمَ إِمَّا) فيه إدغام نون إن الشرطية في ما الزائدة (يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ) أي : من نوعكم من عند ربكم (يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي) أي : يقرؤن عليكم كتابي وأدلة أحكامي وشرائعي التي شرعت لعبادي وجواب الشرط قوله تعالى : (فَمَنِ اتَّقى) الشرك ومخالفة رسلي (وَأَصْلَحَ) عمله الذي أمرته به رسلي فعمل بطاعتي وتجنب معصيتي وما نهيت عنه (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) حين يخاف غيرهم يوم القيامة من العذاب (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) أي : يتجدّد لهم في وقت ما حزن على شيء فاتهم لأنّ الله يعطيهم ما تقر به أعينهم (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) أي : جحدوها وكذبوا رسلنا (وَاسْتَكْبَرُوا) أي : تكبروا (عَنْها) أي : عن الإيمان بها لأنّ كل مكذب وكافر متكبر قال تعالى : (إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ) [الصافات ، ٣٥] (أُولئِكَ) هؤلاء البعداء البغضاء (أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) أي : لا يخرجون منها أبدا وإدخال الفاء في خبر المبتدأ الأوّل دون خبر الثاني للمبالغة في الوعد والمسامحة في الوعيد.
(فَمَنْ) أي : لا أحد (أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) أي : بنسبة الشريك والولد إليه أو قال عليه ما لم يقله (أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ) أي : القرآن (أُولئِكَ يَنالُهُمْ) أي : يصيبهم (نَصِيبُهُمْ) أي : حظهم (مِنَ الْكِتابِ) أي : مما كتب لهم في اللوح المحفوظ من الرزق والأجل وغير ذلك (حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ) أي : هؤلاء الذين يفترون على الله الكذب (رُسُلُنا) أي : ملك الموت وأعوانه (يَتَوَفَّوْنَهُمْ) بقبض أرواحهم عند استكمال أعمارهم وأرزاقهم وقوله تعالى : (قالُوا) جواب إذا أي : قال الرسل لهم تبكيتا وتوبيخا وتقريعا (أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ) أي : تعبدون (مِنْ دُونِ اللهِ) أي : غيره ادعوهم ليدفعوا عنكم ما نزل بكم ، وقيل : إنّ هذا يكون في الآخرة أي : إذا جاءتهم ملائكة العذاب يتوفونهم أي : يستوفون عددهم عند حشرهم إلى النار (قالُوا) أي : الكفار مجيبين للرسل (ضَلُّوا) أي : غابوا (عَنَّا) وتركونا عند حاجتنا إليهم فلم ينفعونا (وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) أي : بالغوا في الاعتراف عند الموت أو عند معاينة العذاب (أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ) أي : جاحدين وحدانية الله تعالى.
(قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ (٣٨) وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٣٩) إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (٤٠) لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٤١) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٤٢) وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٤٣)