للصلاة وكان بنو عامر في أيام حجهم لا يأكلون الطعام إلا قوتا ولا يأكلون دسما يعظمون بذلك حجهم فقال المسلمون : فإنا أحق أن نفعل فقيل لهم : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا) بتحريم الحلال أو بالتعري في الطواف أو بإفراط الطعام أو الشره عليه ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما : كل ما شئت واشرب ما شئت والبس ما شئت ما أخطاك خصلتان سرف ومخيلة.
وروي أنّ الرشيد كان له طبيب نصراني حاذق فقال لعلي بن الحسين بن واقد : ليس في كتابكم من علم الطب شيء والعلم علمان : علم الأبدان وعلم الأديان ، فقال له : لقد جمع الله تعالى الطب كله في نصف آية من كتابه ، فقال : وما هي؟ قال : قوله تعالى : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا) [الأعراف ، ٣١] فقال النصراني : ولا يؤثر عن نبيكم شيء في الطب؟ فقال : جمع رسولنا صلىاللهعليهوسلم الطب في ألفاظ يسيرة ، قال : وما هي؟ قال قوله : «المعدة بيت الداء والحمية رأس كل دواء فأعط كل بدن ما عوّدته» (١) فقال النصراني : ما ترك كتابكم ولا نبيكم لجالينوس طبا» (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) أي : لا يرتضي فعلهم ففي الآية الوعيد الشديد على الإسراف.
(قُلْ) يا محمد لهؤلاء الجهلة من الذين يطوفون بالبيت عراة (مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ) من الثياب كل ما يتجمل به فيدخل تحته أنواع الملبوس والحلي ولو لا النص ورد بتحريم استعمال الذهب والحرير للرجال لدخل في هذا العموم ولكن ورد النص في تحريمه على الرجال دون النساء (وَ) قل أيضا لهؤلاء الجهلة الذين كانوا لا يأكلون دسما يعظمون بذلك حجهم : من حرّم (الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ) التي أخرج لعباده وخلقها لهم فيدخل تحت ذلك كل ما يستلذ ويشتهى من سائر المطعومات إلا ما ورد نص بتحريمه وقد دلت الآية على أنّ الأصل في الملابس وأنواع التجملات والمطاعم الإباحة إلا ما ورد النص بخلافه لأنّ الاستفهام في (من) للإنكار (قُلْ هِيَ) أي : الزينة والطيبات (لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) أي : بالأصالة والكفرة وإن شاركوهم فيها فتبع ولذا لم يقل تعالى : للذين آمنوا وغيرهم (خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ) لا يشاركهم فيها غيرهم. وقرأ نافع برفع التاء على أنها خبر بعد خبر والباقون بالفتح على الحال (كَذلِكَ) أي : مثل هذا التفصيل البديع (نُفَصِّلُ الْآياتِ) أي : نبين أحكامها ونميز بعض المشتبهات من بعض (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) أي : يتدبرون فإنهم المنتفعون بها.
(قُلْ) يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يطوفون بالبيت عراة ويحرمون أكل الطيبات من الرزق وغير ذلك مما أحل الله تعالى (إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ) أي : الكبائر والكبيرة : ما توعد عليها بنحو لعن أو غضب بخصوصها في الكتاب أو السنة غالبا كالزنا جمع فاحشة (ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) أي : جهرها وسرها ، وقرأ حمزة بسكون الباء والباقون بفتحها (وَ) حرم (الْإِثْمَ) أي : الصغائر : وهي ما عدا الكبائر كالنظر إلى بدن أجنبية (وَ) حرم (الْبَغْيَ) على الناس أي : الظلم أو الكبر وأفرده بالذكر مع أنه من الكبائر للمبالغة وقوله تعالى : (بِغَيْرِ الْحَقِ) متعلق بالبغي مؤكد له معنى (وَ) حرم (أَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ) أي : بالإشراك (سُلْطاناً) أي : حجة وفي ذلك تهكم بالمشركين وتنبيه على تحريم ما لم يدل عليه برهان ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالتخفيف والباقون بالتشديد (وَ) حرم (أَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) في تحريم ما لم يحرم وغيره.
(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ) أي : وقت معلوم وفي ذلك وعيد لأهل مكة بالعذاب النازل في أجل
__________________
(١) أخرجه الألباني في السلسلة الضعيفة ٢٥٢ ، والسيوطي في الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة ١٤٤.