العصمة من خواصهم أو قياس لأحد الثقلين على الآخر وإلا فهم ما كانوا يعلمون الغيب (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ) متلبسين (بِحَمْدِكَ) أي : نقول سبحان الله وبحمده وهذه صلاة ما عدا الآدميين وعليها يرزقون قال تعالى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) [الإسراء ، ٤٤] أي : يقول : سبحان الله وبحمده.
روي عن أبي ذرّ : «أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم سئل : أيّ الكلام أفضل؟ قال : ما اصطفى الله ملائكته أو لعباده سبحان الله وبحمده» (١) وقيل : ونحن نصلي بأمرك ، قال ابن عباس : كل ما في القرآن من التسبيح فالمراد منه الصلاة (وَنُقَدِّسُ لَكَ) ننزهك عما لا يليق بك ، فاللام صلة والجملة حال مقرّرة لجهة الإشكال كقولك : أتحسن إلى أعدائك وأنا الصديق المحتاج ، والمعنى : أتستخلف عصاة ونحن معصومون أحقاء بذلك ، والمقصود منه الاستفسار عما رجحهم مع ما هو متوقع منهم على الملائكة المعصومين في الاستخلاف لا العجب والتفاخر ، وقيل : نقدّس لك نطهر نفوسنا عن الذنوب لأجلك ، كأنهم قابلوا الفساد المفسر بالشرك عند قوم بالتسبيح وسفك الدماء الذي هو أعظم الأفعال الذميمة بتطهر النفس عن الآثام (قالَ) تعالى : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) من المصلحة في استخلاف آدم وأنّ ذريته فيهم المطيع والعاصي فيظهر العدل بينهم ، وقيل : إني أعلم أنّ فيكم من يعصيني وهو إبليس وجنوده ، وقيل : إني أعلم أنهم مذنبون وأنا أغفر لهم. وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بفتح الباء ، والباقون بالسكون وهم على مراتبهم في المدّ.
(وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ) أي أسماء المسميات (كُلَّها) حتى القصعة والمغرفة ، وقيل : علمه اسم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة ، وقيل : صيغة كل شيء. قال أهل التأويل : إنّ الله عزوجل علم آدم جميع اللغات ثم كل واحد من أولاده بلغة فتفرّقوا في البلدان واختص كل فرقة منهم بلغة وذلك إمّا بخلق علم ضروري بها فيه أو ألقى في قلبه علمها أو بإرسال ملك أو بخطاب الله له أو بخلق الأصوات في الأجسام المسميات ، والتعليم فعل يترتب عليه العلم غالبا ، ولذلك يقال : علمته فلم يتعلم. وآدم اسم أعجمي كسائر الأنبياء إلا صالحا وشعيبا ولوطا ومحمدا بل قيل : إنّ آدم أيضا عربي وعلى هذا فاشتقاقه من الأدمة بضم الهمزة وسكون الدال بمعنى السمرة ، أو الأدمة بفتح الهمزة والدال بمعنى الأسوة أي : القدوة أو من أديم الأرض أي : ظاهر وجهها.
روى الحاكم وصححه أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «إنّ الله قبض قبضة من جميع الأرض سهلها وحزنها» (٢) ـ وهو بفتح الحاء المهملة ما غلظ من الأرض وصلب أي : وعجنت بالمياه المختلفة ـ فخلق منها آدم ونفخ فيه الروح فصار حيوانا حساسا بعد أن كان جمادا فلذلك يأتي بنوه مختلفين في الألوان والأخلاق والهيئات ، وأمّا على الأوّل فلا اشتقاق له لأنّ ذلك إنما يأتي في الأسماء العربية والأعجمي لا اشتقاق له ، وكنيته أبو محمد وأبو البشر والمعنى أنه تعالى خلقه من أجزاء مختلفة وقوى متباعدة مستعدّا لإدراك أنواع المدركات والمعقولات والمحسوسات والمخيلات والموهومات وألهمه معرفة ذوات الأشياء وخواصها وأسمائها وأصول العلوم وقوانين الصناعات وكيفية آلاتها. وقرأ ورش في الهمزة من آدم بالمدّ والتوسط والقصر حيث جاء ، وقوله تعالى : (ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ) الضمير فيه للمسميات المدلول عليها ضمنا في قوله تعالى : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ) إذ التقدير أسماء المسميات كما مرّ تقريره فحذف المضاف إليه لدلالة المضاف عليه
__________________
(١) أخرجه مسلم في الذكر حديث ٢٧٣١ ، والترمذي في الدعوات حديث ٣٥٩٣.
(٢) الحديث لم أجده بهذا اللفظ في كتب الحديث التي بين يدي.