وعوض عنه اللام في الأسماء كقوله تعالى : (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) [مريم ، ٤] لأنّ العرض للسؤال عن أسماء المعروضات فلا يكون المعروض نفس الأسماء إذ العرض لا يصح فيها لأنها من المسموعات والعرض يختص بالمحسوسات بالعين تقول : عرضت الجند عرض العين إذا مررتهم عليك ونظرت ما حالهم.
فإن قيل : لم قال عرضهم ولم يقل عرضها؟ أجيب : بأنّ الأسماء إذا جمعت جمع من يعقل ومن لا يعقل يكنى عنها بلفظ من يعقل كما يكنى عن الذكور والإناث بلفظ الذكور ، وقال مقاتل : خلق الله كل شيء الحيوان والجماد ثم عرض تلك الشخوص على الملائكة ، والكناية راجعة إلى الشخوص فلذلك قال : (عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ) لهم سبحانه وتعالى تبكيتا لهم وتنبيها على عجزهم عن أمر الخلافة (أَنْبِئُونِي) أي : أخبروني (بِأَسْماءِ هؤُلاءِ) المسميات (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أني لا أخلق خلقا إلا كنتم أفضل وأعلم منه وذلك أنّ الملائكة قالوا لما قال : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) ليخلق ربنا ما يشاء فلن يخلق خلقا أكرم عليه منا وإن كان فنحن أعلم منه لأنا خلقنا قبله ورأينا ما لم يره فأظهر الله تعالى فضله عليهم بالعلم ، وجواب الشرط دل عليه ما قبله.
(قالُوا) أي : الملائكة إقرارا بالعجز وإشعارا بأنّ سؤالهم كان استفسارا ولم يكن اعتراضا وأنه قد بان لهم ما خفي عليهم من فضل الإنسان والحكمة في خلقه وإظهارا لشكر نعمته بما عرفهم وكشف لهم ما التبس عليهم (سُبْحانَكَ) تنزيها عن الاعتراض عليك (لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا) إياه وفي هذا مراعاة للأدب بتفويض العلم كله إليه سبحانه وتعالى وتصدير الكلام بسبحان اعتذار عن الاستفسار والجهل بحقيقة الحال فإنه تعالى منزه عن أن يفعل ما يخرج عن الحكمة ، ولذلك جعل مفتاح التوبة فقال موسى عليه الصلاة والسّلام : (سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ) [الأعراف ، ١٤٣] وقال يونس عليه الصلاة والسّلام : (سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء ، ٨٧].
تنبيه : اجتمع في قوله تعالى : (أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أربع مدّات ، الأولى : أنبئوني ، والثانية بأسماء ، والثالثة والرابعة هؤلاء إن ، فالأول مدّ بدل ، والثاني مدّ متصل ، والثالث مدّ منفصل ، والرابع مخير لا متصل قطعا ولا منفصل قطعا عند من يقول بإسقاط إحدى الهمزتين ، فأمّا الأوّل فلورش فيه المدّ والتوسط والقصر ، وأمّا الثاني فبالمدّ للجميع لأنه متصل ، وأمّا الثالث ففيه المدّ والقصر كما تقدّم لأنه منفصل ، وأمّا الرابع وهو أولاء إن ففيه همزتان مكسورتان من كلمتين فقالون والبزي يسهلان الأولى مع المدّ والقصر ، وورش وقنبل يسهلان الثانية ويجعلانها حرف مدّ ، وأبو عمرو يسقط الأولى والثانية فمن قال بإسقاط الأولى مدّ وقصر ، ومن قال بإسقاط الثانية فبالمدّ فقط ، وباقي القرّاء يحققون الهمزتين وهم على مراتبهم في المدّ (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ) الذي لا يخفى عليه خافية (الْحَكِيمُ) المحكم لمبدعاته الذي لا يفعل إلا ما فيه حكمة بالغة ، وأنت ضمير فصل ، وقيل : تأكيد للكاف كما في قولك : مررت بك أنت وإن لم يجز مررت بأنت إذ التابع يسوغ فيه ما لا يسوغ في المتبوع ، وقيل : مبتدأ خبره ما بعده والجملة خبر إن.
(قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٣٣) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (٣٤) وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ