الظَّالِمِينَ (٣٥) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (٣٦) فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٣٧) قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٣٨) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٣٩) يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (٤٠) وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (٤١))
(قالَ) تعالى : (يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ) أي : أخبر الملائكة (بِأَسْمائِهِمْ) أي : المسميات فسمى آدم كل شيء باسمه وذكر الحكمة التي لأجلها خلق (فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ) الله تعالى لهم موبخا (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : ما غاب فيها (وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ) أي تظهرون من قولكم : (أَتَجْعَلُ فِيها) إلخ : (وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) أي : تسرون من قولكم : لن يخلق أكرم عليه منا ولا أعلم ، وقيل : ما أظهروا من الطاعة وأسره إبليس من المعصية ، والهمزة في (أَلَمْ أَقُلْ) للإنكار بمعنى النفي دخلت على حرف الجحد فأفادت الإثبات والتقرير.
تنبيه : هذه الآيات وهي آية (وَعَلَّمَ آدَمَ) وآية (سُبْحانَكَ) وآية (قالَ يا آدَمُ) تدل على شرف الإنسان ومزية العلم وفضله على العبادة وإلا لأظهر فضل آدم بها ، وأن العلم بما يستخلف فيه شرط في الخلافة بل العمدة فيها ، وأن التعليم يصح إسناده إلى الله تعالى وإن لم يصح إطلاق المعلم عليه لاختصاصه بمن يحترف به وأنّ اللغات توقيفية ، فإن الأسماء تدل على الألفاظ بخصوص أو عموم وتعليمها ظاهر في إلقائها على المتعلم مبينا له معانيها وذلك يستدعي سابقة وضع ، والأصل ينفي أن يكون ذلك الوضع ممن كان قبل آدم من الملائكة والجنّ فيكون من الله وأنّ مفهوم الحكمة زائد على مفهوم العلم لتغاير المتعاطفين وإلا لتكرر قوله : (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ،) وأنّ علوم الملائكة وكمالاتهم تقبل الزيادة وأنّ آدم أفضل من هؤلاء الملائكة لأنه أعلم منهم والأعلم أفضل لقوله تعالى : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) [الزمر ، ٩] وأن الأنبياء أفضل من الملائكة وإن كانوا رسلا كما ذهب إليه أهل السنة وأنه تعالى يعلم الأشياء قبل حدوثها لأنه أخبر عن علمه تعالى بأسماء المسميات جميعها ولم تكن موجودة قبل الإخبار.
(وَ) اذكر (إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) لما أنبأهم بالأسماء وعلمهم ما لم يعلموا أمرهم بالسجود له واعترافا بفضله وأداء لحقه واعتذارا عما قالوا فيه أو أمرهم به قبل أن يسوي خلقه لقوله تعالى : (فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ) [الحجر ، ٢٩] [ص ، ٧٢] امتحانا لهم وإظهارا لفضله ، وقضية الأوّل تأخير الأمر به عن تسوية خلقه بدليل تأخيره عن إنبائهم وتعليمهم المستلزمين لتسوية خلقه ، وعلى الثاني اقتصر بعض المفسرين وهو الظاهر ، وأجيب عن دليل الأوّل بأنّ الواو في قوله : وإذ قلنا لا تقتضي الترتيب والسجود في الأصل تذلل مع تطامن وفي الشرع وضع الجبهة على قصد العبادة ، والمأمور به إمّا المعنى الشرعي فالمسجود له في الحقيقة هو الله تعالى وجعل آدم قبلة سجودهم تفخيما لشأنه أو سببا لوجوبه كما جعلت الكعبة قبلة للصلاة والصلاة لله فمعنى اسجدوا له أي : إليه وكأنه تعالى لما خلقه بحيث يكون أنموذجا أي : مثالا للمبدعات كلها بل الموجودات بأسرها ومجمعا لما في العالم الروحاني والجثماني وذريعة للملائكة إلى استيفاء ما قدّر لهم من الكمالات ووصلة إلى ظهور ما تباينوا فيه من