مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٦١) أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٦٢) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٦٣) فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ (٦٤) وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (٦٥) قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٦٦) قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٦٧))
(وَلَقَدْ جِئْناهُمْ) أي : هؤلاء الكفار (بِكِتابٍ) أي : قرآن أنزلناه عليك يا محمد (فَصَّلْناهُ) أي : بينا معانيه من العقائد والأحكام والمواعظ مفصلة (عَلى عِلْمٍ) أي : عالمين وجه تفصيله ، وقوله تعالى : (هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) أي : به حال من منصوب فصلناه كما أنّ (على علم) حال من مرفوعه.
(هَلْ يَنْظُرُونَ) أي : ما ينظرون (إِلَّا تَأْوِيلَهُ) أي : إلا عاقبة أمره وما يؤول إليه من تبين صدقه وظهور صحة ما نطق به من الوعد والوعيد (يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ) أي : يوم القيامة لأنه يوم الجزاء (يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ) أي : تركوه ترك الناسي (قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِ) أي : قد تبين لهم واعترفوا يوم القيامة بأنّ ما جاءت به الرسل من الإيمان والحشر والنشر والبعث والثواب والعقاب حق حين لا ينفعهم ذلك الاعتراف.
ولما رأوا أنفسهم في العذاب قالوا : (فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا) اليوم (أَوْ نُرَدُّ) أي : أو هل نردّ إلى الدنيا وقولهم : (فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) فيها فنبدل الكفر بالإيمان والتوحيد والمعاصي بالطاعة والإنابة جواب الاستفهام الثاني (قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) أي : إذ صاروا إلى الهلاك لأنهم كانوا في الدنيا أوّل مرّة فلم يعملوا بطاعة الله ولو ردّوا إلى الدنيا لعادوا إلى ما كانوا عليه من الكفر والعصيان لسابق علم الله فيهم (وَضَلَ) أي : ذهب (عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) أي : من دعوى الشريك فلم ينفعهم.
(إِنَّ رَبَّكُمُ) أي : سيدكم ومولاكم ومصلح أموركم وموصل الخيرات إليكم ودافع المكاره عنكم هو (اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) أي : ابتدعهما وأنشأ خلقهما على غير مثال سبق (فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) أي : من أيام الدنيا ، وقيل : من أيام الآخرة كل يوم ألف سنة.
فإن قيل : اليوم من أيام الدنيا عبارة عن مقدار من الزمان وذلك المقدار من طلوع الشمس إلى غروبها ولم يكن إذ ذاك شمس ولا قمر ولا سماء. أجيب : بأنّ معنى ذلك في مقدار ستة أيام فهو كقوله تعالى : (وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا) [مريم ، ٦٢] أي : على مقادير البكر والعشيّ في الدنيا لأن الجنة لا ليل فيها ولا نهار قال سعيد بن جبير : كان الله عزوجل قادرا على خلق السموات والأرض في لمحة ولحظة فخلقهنّ في ستة أيام تعليما لخلقه التثبت والتأني في الأمور ، وقد جاء في الحديث : «التأني من الله والعجلة من الشيطان» (١). واختلف العلماء في اليوم الذي ابتدأ الله خلق الأشياء فيه فقيل : هو يوم السبت لخبر مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : أخذ رسول الله
__________________
(١) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ١٠ / ١٠٤ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ٨ / ١٩ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ٥٦٧٥ ، والسيوطي في الدر المنثور ١ / ١٢ ، والزبيدي في إتحاف السادة المتقين ٥ / ٢٥١ ، والمنذري في الترغيب والترهيب ٢ / ٤٣٧ ، والقرطبي في تفسيره ١٦ / ٣١٠.