ويقال : نصحته ونصحت له كما يقال : شكرته وشكرت له وفي زيادة اللام مبالغة ودلالة على إمحاض النصيحة وإنما وقعت خالصة للمنصوح له مقصودا بها جانبه لا غير فرب نصيحة ينتفع بها الناصح فتقصد للنفعين جميعا ولا نصيحة أمحض من نصيحة الله ورسوله وقيل : حقيقة النصح تعريف وجه المصلحة مع خلوص النية من شوائب المكروه ، وقال بعض المفسرين : والفرق بين إبلاغ نصيحة الرسالة وبين النصيحة هو أن تبليغ الرسالة أن يعلمهم جميع أوامر الله تعالى ونواهيه وجميع أنواع التكاليف التي أوجبها الله تعالى عليهم وأما النصيحة فهي أن يرغبهم في قبول تلك الأوامر والنواهي والعبادات ويحذرهم عقابه إن عصوه وقرأ أبو عمرو بسكون الباء وتخفيف اللام من الإبلاغ كقوله تعالى : (لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي) [الأعراف : ٩٣] وقرأ الباقون بفتح الباء وتشديد اللام من التبليغ كقوله تعالى : (بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) [المائدة ، ٦٧] (وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) أي : من صفات الله وأحوال قدرته الباهرة وشدّة بطشه على أعدائه وأنّ بأسه لا يردّ عن القوم المجرمين ، وقوله تعالى :
(أَوَعَجِبْتُمْ) الهمزة للإنكار والواو للعطف على محذوف أي : أكذبتم وعجبتم (أَنْ جاءَكُمْ) أي : من أن جاءكم (ذِكْرٌ) أي : موعظة (مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ) أي : على لسان رجل (مِنْكُمْ) أي : من جنسكم أو من جملتكم تعرفون نسبه وذلك أنهم كانوا يتعجبون من نبوّة نوح عليهالسلام ويقولون : ما سمعنا بهذا في آبائنا الأوّلين يعنون إرسال البشر ولو شاء ربنا لأنزل ملائكة (لِيُنْذِرَكُمْ) أي : لأجل أن ينذركم عاقبة الكفر والمعاصي (وَلِتَتَّقُوا) أي : ولأجل أن تتقوا الله (وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) بالتقوى إن وجدت منكم لأنّ المقصود إرسال الرسل الإنذار والمقصود من الإنذار التقوى عن كل ما لا ينبغي والمقصود بالتقوى الفوز بالرحمة في الدار الآخرة وفائدة حرف الترجي : التنبيه على أن التقوى غير موجبة والرحمة من الله تعالى محض تفضيل وأن المتقي ينبغي أن لا يعتمد على تقواه ولا يأمن من عذاب الله.
(فَكَذَّبُوهُ) أي : نوحا (فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ) آمنوا به (مَعَهُ) من الغرق وكانوا أربعين رجلا وأربعين امرأة ، وقيل : تسعة بنوه الثلاثة سام وحام ويافث وستة ممن آمن به ، وقوله تعالى : (فِي الْفُلْكِ) متعلق بمعه كأنه قيل : والذين استقرّوا معه في الفلك أو صحبوه في الفلك أو بأنجيناه أي : أنجيناهم في السفينة من الطوفان (وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) بالطوفان (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ) أي : عمى القلوب عن الحق غير مستبصرين يقال : رجل عم في البصيرة وأعمى في البصر وأنشدوا قول زهير (١) :
وأعلم علم اليوم والأمس قبله |
|
ولكنني عن علم ما في غد عم |
(وَإِلى عادٍ) أي : وأرسلنا إلى عاد وهو عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح وهي عاد الأولى (أَخاهُمْ هُوداً) أي أخاهم في النسب لا في الدين وهو هود بن عبد الله بن رباح بن الخلود ابن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح ، وقيل : هو ابن شالخ بن ارفخشذ بن سام بن نوح عليهالسلام ، واختلف في سبب الأخوة من أين حصلت على وجهين : الأوّل : قال الزجاج : إنه كان من بني آدم ومن جنسهم لا من الملائكة ويكفي هذا القدر في تسمية الأخوة ، والمعنى : إنا أرسلنا إلى
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص ٢٩ ، ولسان العرب (عمى) ، وتهذيب اللغة ٣ / ٢٤٥.