اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٧٦) فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٧٧) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (٧٨) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (٧٩) وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (٨٠) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (٨١))
(أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي) أي : أؤدي إليكم ما أرسلني به من أوامره ونواهيه وشرائعه وتكاليفه (وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ) أي : فيما آمركم به من عبادة الله تعالى (أَمِينٌ) أي : مأمون على تبليغ الرسالة وأداء النصح والأمين الثقة على ما ائتمن عليه.
فإن قيل : لم قال نوح : وأنصح لكم بصيغة الفعل وقال هود : وأنا لكم ناصح بصيغة اسم الفاعل؟ أجيب : بأنّ صيغة الفعل تدل على تجدده ساعة بعد ساعة وكان نوح يدعو قومه ليلا ونهارا كما أخبر الله تعالى عنه بقوله : (رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً) [نوح ، ٥] فلما كان ذلك من عادته ذكره بصيغة الفعل فقال : (وَأَنْصَحُ لَكُمْ) وأمّا هود فلم يكن كذلك بل كان يدعوهم وقتا دون وقت فلهذا قال : (وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ.)
فإن قيل : مدح الذات بأعظم صفات المدح غير لائق بالعقلاء؟ أجيب : بأنه فعل هود ذلك لأنه كان يجب عليه إعلام قومه بذلك ومقصوده الرد عليهم في قولهم : (وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ) فوصف نفسه بالأمانة وأنه أمين في تبليغ ما أرسل به من عند الله وفيه دليل على جواز مدح الإنسان نفسه في موضع الضرورة إلى مدحها.
(أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ) سبق تفسيره.
تنبيه : في إجابة الأنبياء الكفرة عن كلماتهم الحمقاء بما أجابوا والإعراض عن مقالتهم كمال النصح والشفقة وهضم النفس وحسن المجادلة وهكذا ينبغي لكل ناصح (وَاذْكُرُوا) نعمة الله عليكم (إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ) أي : خلفتموهم في الأرض أو جعلكم ملوكا في الأرض فإنّ شداد بن عاد ممن ملك معمورة الأرض من رمل عالج وهو موضع بالبادية بها رمل إلى شحر عمان وهو بفتح الشين المعجمة وكسرها وبالحاء المهملة ساحل البحر بين عمان وعدن (وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً) أي : طولا وقوّة قال الجلال المحلي في سورة الفجر : كان طول الطويل منهم أربعمائة ذراع وقامة القصير ستين ذراعا ، وقال أبو حمزة اليماني : سبعون ذراعا ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما : ثمانون ذراعا ، وقال مقاتل : كان طول كل رجل اثني عشر ذراعا ، أخرج ابن عساكر عن وهب بذراعهم أي : على الأقوال كلها ، وقال وهب : كان رأس أحدهم مثل القبة العظيمة وكان عين الرجل ـ أي : بعد موته ـ تفرخ فيها الضباع وكذا مناخرهم ، وقرأ نافع والبزي وشعبة والكسائي بالصاد وأبو عمرو وهشام وقنبل وحفص وخلف بالسين وأمّا ابن ذكوان وخلاد فقرآا بالسين والصاد (فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ) أي : أنعمه أي : اعملوا بما يليق بذلك الإنعام وهو أن تؤمنوا به وتتركوا ما أنتم عليه من عبادة الأصنام (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) أي : تفوزون بالنعيم المقيم في الآخرة.
(قالُوا) أي : قوم هود مجيبين له (أَجِئْتَنا) يا هود (لِنَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ) أي : نترك (ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا) أي : من الأصنام استبعدوا اختصاص الله تعالى بالعبادة والإعراض عما أشرك به