للذين استضعفوهم واستبذلوهم وقوله تعالى : (لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ) بدل من الذين استضعفوا بدل الكل إن كان الضمير لقومه وبدل البعض إن كان للذين ، وقرأ ابن عامر : وقال الملأ بالواو والباقون بلا واو (أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ) أي : أنّ الله أرسله إلينا وإليكم قالوا : ذلك على الاستهزاء (قالُوا) أي : الضعفاء (إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ) أي صالح من الدين والهدى (مُؤْمِنُونَ) أي : مصدّقون وإنما عدلوا عن الجواب السويّ الذي هو نعم تنبيها على أنّ إرساله أظهر من أن يشك فيه عاقل أو يخفى على ذي لب.
(قالَ) الملأ : (الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) عن أمر الله تعالى والإيمان به وبرسوله صالح عليهالسلام (إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ) أي : جاحدون متكبرون.
(فَعَقَرُوا النَّاقَةَ) أي : عقرها قدار بأمرها فأسند العقر إليهم والعقر قطع عرقوب البعير ثم جعل النحر عقرا فإنه قتلها بالسيف فإنّ ناحر البعير يعقره ثم ينحره (وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ) أي : تكبروا عن أمر ربهم وعصوه وكذبوا نبيهم صالحا عليهالسلام (وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا) أي : من العذاب (إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) أي : إن كنت تزعم أنك رسول الله فإنّ الله ينصر رسله على أعدائه وإنما قالوا ذلك لأنهم كانوا مكذبين في كل ما أخبرهم به من العذاب.
(فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) أي : الزلزلة الشديدة من الأرض والصيحة من السماء (فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ) أي : باركين على الركب ميتين.
روي أن عادا لما أهلكت عمرت ثمود بلادهم وخلفوهم في الأرض وكثروا وعمروا أعمارا طوالا حتى أنّ الرجل كان يبني البيت المحكم فينهدم في حياته فينحتون البيوت من الجبال وكانوا في سعة ورخاء من العيش فعثوا وأفسدوا في الأرض وعبدوا الأصنام فبعث الله تعالى إليهم صالحا عليهالسلام من أشرافهم غلاما شابا فدعاهم إلى الله تعالى حتى كبر لا يتبعه إلا قليل مستضعفون فلما ألحّ عليهم صالح بالدعاء والتبليغ وأكثر عليهم التحذير والتخويف سألوه آية فقال لهم : أيّ آية تريدون؟ فقالوا : تخرج معنا إلى عيدنا في يوم معلوم لهم في السنة فتدعو إلهك وندعوا آلهتنا فإن استجيب لك اتبعناك وإن استجيب لنا اتبعتنا ، قال لهم صالح : نعم ، فخرجوا بأوثانهم إلى عيدهم وخرج صالح معهم ودعوا أوثانهم وسألوهم الاستجابة فلم تجبهم ثم قال سيدهم جندع بن عمرو وأشار إلى صخرة منفردة في ناحية الجبل يقال لها : الكاثبة : أخرج لنا من هذه الصخرة ناقة مخترجة جوفاء وبراء ـ والمخترجة هي التي شاكلت البخت ، والجوفاء ذات الجوف ، والوبراء ذات الوبر ـ فإن فعلت ذلك صدّقناك فأخذ عليهم صالح مواثيقهم لئن فعلت لتؤمنن ولتصدّقنّ فقالوا : نعم فصلى ودعا ربه فتمخضت الصخرة أي : تحرّكت للولادة تمخض النتوج بولدها فانصدعت أي : انشقت عن ناقة عشراء وهي التي مرّ عليها من يوم أرسل عليها الفحل عشرة أشهر جوفاء وبراء كما وصفوا لا يعلم ما بين جنبيها إلا الله تعالى عظما وعظماؤهم ينظرون ثم نتجت ولدا مثلها في العظم فآمن به جندح ورهط من قومه وأراد أشراف ثمود أن يؤمنوا به ويصدّقوه فنهاهم ذؤاب بن عمرو بن أسد والخباب صاحبا أوثانهم ورباب بن صمعر كاهنهم وكانوا من أشراف ثمود فلما خرجت الناقة قال لهم صالح : هذه ناقة الله لها شرب ولكم شرب يوم معلوم فمكثت الناقة مع ولدها ترعى الشجر وتشرب الماء وكانت ترد غبا فإذا كان يومها وضعت رأسها في البئر فما ترفعه حتى تشرب كل ما فيها ثم تتفحج وهو بتقديم الحاء المهملة مثل التفسح وهو أن تفرج بين رجليها فيحلبون ما شاؤا حتى تمتلىء أوانيهم فيشربون ويدّخرون ، وكانت تصيف أي : تقيم زمن الصيف بظهر الوادي فتهرب