منها أنعامهم إلى بطنه ، وتشتو أي : تقيم زمن الشتاء ببطنه فتهرب مواشيهم إلى ظهره ، فشق ذلك عليهم وزين عقرها لهم امرأتان عنيزة بنت غنم وصدقة بنت المختار لما أضرّت به من مواشيهما وكانتا كثيرتي المواشي فعقروها واقتسموا لحمها فرقي سقبها وهو بفتح السين والقاف ولدها الذكر جبلا اسمه قارة فرغا ثلاثا وكان صالح عليهالسلام قال لهم : أدركوا الفصيل عسى أن يرفع عنكم العذاب فلم يقدروا عليه ، وانفجت وهو بتشديد الجيم أي : انفتحت الصخرة بعد رغائه فدخلها ، فقال لهم صالح : تصبحون غدا وجوهكم مصفرّة وبعد غد وجوهكم محمرّة واليوم الثالث وجوهكم مسودّة ، ثم يصبحكم العذاب فلما رأوا العلامات طلبوا أن يقتلوه فأنجاه الله تعالى إلى أرض فلسطين فلما كان اليوم الرابع واشتدّ الضحى تحنطوا بالصبر وتكفنوا بالانطاع فأتتهم صيحة من السماء فتقطعت قلوبهم وهلكوا. وسيأتي لهذه القصة زيادة إن شاء الله تعالى في سورة النمل.
ويروى أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين مرّ بالحجر في غزوة تبوك قال لأصحابه : «لا يدخلنّ أحد منكم القرية ولا تشربوا من مائها ولا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل الذي أصابهم» (١) وقال صلىاللهعليهوسلم لعليّ : «أتدري من أشقى الأوّلين» قال : الله ورسوله أعلم ، قال : «عاقر ناقة صالح عليهالسلام ، أتدري من أشقى الآخرين» قال : الله ورسوله أعلم ، قال : «قاتلك» (٢) (فَتَوَلَّى) أي : أعرض صالح (عَنْهُمْ) وفي هذا التولي قولان : أحدهما : أنه تولى عنهم بعد أن ماتوا وهلكوا ويدلّ عليه قوله تعالى : (فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ فَتَوَلَّى عَنْهُمْ) والفاء للتعقيب فدلّ على أنه حصل هذا التولي بعد جثومهم وهو موتهم.
والقول الثاني : أنه تولى عنهم وهم أحياء قبل هلاكهم ويدلّ عليه أنه خاطبهم (وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ) وهذا الخطاب لا يليق إلا بالأحياء ، وعلى هذا القول يحتمل أنّ في الآية تقديما وتأخيرا تقديره فتولى عنهم وقال : يا قوم لقد أبلغتكم سالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين. وأجيب من جهة الأوّل : بأنه خاطبهم بعد هلاكهم تقريعا وتوبيخا كما خاطب نبينا صلىاللهعليهوسلم الكفار من قتلى بدر حين ألقوا في القليب فجعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم يناديهم بأسمائهم الحديث في الصحيحين وفيه فقال عمر : يا رسول الله تكلم أمواتا قد جيفوا ، فقال : «ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكن لا يجيبون» (٣) وقيل : إنما خاطبهم صالح عليهالسلام بذلك ليكون عبرة لمن يأتي من بعدهم فينزجروا عن مثل تلك الطريقة.
وروي أنّ عقرهم الناقة كان يوم الأربعاء ونزل بهم العذاب يوم السبت ، وروي أنه خرج في مائة وعشرين من المسلمين وهو يبكي فالتفت فرأى الدخان ساطعا فعلم أنهم قد هلكوا وكانوا ألفا وخمسمائة دار ، وروي أنه رجع بمن معه من المسلمين فسكنوا ديارهم وقال قوم من أهل العلم : توفي صالح بمكة وهو ابن ثمان وخمسين سنة وأقام في قومه عشرين سنة.
(وَلُوطاً) أي : وأرسلنا لوط بن هاران بن تارخ ابن أخي إبراهيم (إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ) أي : وقت
__________________
(١) أخرجه الطبري في تاريخه ١ / ٢٣١ ، وابن هشام في السيرة النبوية ٥ / ٢٠٢.
(٢) أخرجه ابن حجر في الكاف الشاف في تخريج أحاديث الكشاف ٦٥ ، والقرطبي في تفسيره ٢٠ / ٧٨.
(٣) أخرجه البخاري في الجنائز حديث ١٣٧٠ ، ومسلم في الجنائز حديث ٩٣٢.