قوله لهم ، وقيل : معناه واذكر لوطا ويبدل منه إذ قال لقومه وهم أهل سذوم ، قال التفتازانيّ : هو بفتح السين قرية قوم لوط والذال المعجمة في رواية الأزهري دون غيره ، اه. وصوّبه صاحب القاموس وغلط الجوهريّ في قوله : إنها مهملة وذلك أنّ لوطا عليهالسلام لما هاجر مع عمه إبراهيم عليهالسلام إلى الشام فنزل إبراهيم عليهالسلام أرض فلسطين وأنزل لوطا الأردن وهو بضم الهمزة والدال وتشديد النون نهر وكورة بأعلى الشام فأرسله الله تعالى إلى أرض سذوم يدعوهم إلى الله تعالى وينهاهم عن فعلهم القبيح وهو قوله تعالى : (أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ) أي : أتفعلون الفاحشة الخبيثة التي هي غاية القبح وكانت فاحشتهم إتيان الذكران في أدبارهم كما سيأتي (ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ) أي : ما فعلها أحد قبلكم و (الباء) للتعدية و (من) الأولى زائدة لتوكيد النفي وإفادة معنى الاستغراق والثانية للتبعيض والجملة استئناف مقرّر للإنكار وبخهم أولا بإتيان الفاحشة ثم باختراعها فإنه أسوأ ، قال عمرو بن دينار : ما نزا ذكر على ذكر في الدنيا حتى كان من قوم لوط.
ثم بين الفاحشة بقوله : (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ) أي : في أدبارهم (شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ) أي : إن أدبار الرجال أشهى عندكم من فروج النساء. وقرأ نافع وحفص بكسر الهمزة ولا ياء بينها وبين النون على الخبر وشهوة إمّا مفعول له وإمّا مصدر في موضع الحال وفي التقييد بها وصفهم بالبهيمية الصرفة وتنبيه على أن العاقل ينبغي أن يكون الداعي له إلى المباشرة طلب الولد وبقاء النوع لا قضاء الوطر ، وقرأ ابن كثير بهمزتين الأولى مفتوحة والثانية مكسورة مسهلة ولا مدّ بينهما ، وأبو عمرو كذلك إلا أنه يمدّ بين الهمزتين وهشام بتحقيق الهمزتين بينهما مدّ والباقون بتحقيقهما من غير مدّ بينهما وقوله : (بَلْ أَنْتُمْ) أيها القوم (قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) أي : مجاوزون الحلال إلى الحرام إضراب عن الإنكار إلى الإخبار عنهم بالحالة التي توجب ارتكاب القبائح وتدعو إلى اتباع الشهوات وإنما ذمّهم الله تعالى وعيرهم ووبخهم بهذا الفعل الخبيث لأن الله تعالى خلق الإنسان وركب فيه شهوة النكاح لبقاء النسل وعمارة الدنيا وجعل النساء محلا لتلك الشهوة وموضع النسل فإذا تركهنّ ووضع الشيء في غير محله الذي خلق له فقد أسرف وجاوز واعتدى لأنّ وضع الشيء في غير محله الذي وضع له إسراف لأن أدبار الرجال ليست محلا للولادة التي هي مقصودة بتلك الشهوة المركبة في الإنسان.
روي أنّ أوّل من عمل عمل قوم لوط إبليس لعنه الله تعالى لأنّ بلادهم أخصبت بالزرع والثمار وانتجعها أهل البلدان فتمثل لهم إبليس لعنه الله تعالى في صورة شاب ثم دعا إلى نفسه فكان أوّل من نكح في دبره ، وقال محمد بن إسحاق : كانت لهم ثمار وقرى لم يكن في الأرض مثلها فقصدهم الناس فأذوهم فعرض لهم إبليس لعنه الله تعالى في صورة شيخ ، وقال لهم : إن فعلتم بهم كذا وكذا نجوتم منهم فلما ألحّ عليهم قصدوهم فأصابوا غلمانا حسانا فاستخنثوا واستحكم ذلك فيهم.
(وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (٨٢) فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (٨٣) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (٨٤) وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ