في النسب لا في الدين (شُعَيْباً) بن ميكيل بن يشجر بن مدين وكان يقال له : خطيب الأنبياء لحسن مراجعته قومه عليهالسلام وكان قومه أهل كفر وبخس للمكيال والميزان (قالَ) أي : شعيب عليهالسلام (يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ) أي : معجزة تدلّ على صدق ما جئت به (مِنْ رَبِّكُمْ) أوجبت عليكم الإيمان بي والأخذ بما آمركم به.
فإن قيل : ما كانت معجزته إذ لم تذكر له معجزة؟ أجيب : بأنه قد وقع العلم بأنه كان له معجزة لقوله : (قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) ولأنه لا بدّ لمدّعي النبوّة من معجزة تشهد له وتصدّقه وإلا لم تصح دعواه وكان متنبئا لا نبيا غير أنّ معجزته لم تذكر في القرآن كما لم تذكر أكثر معجزات نبينا صلىاللهعليهوسلم فيه ومن معجزات شعيب عليهالسلام الواردة في غير القرآن ما روي من محاربة عصا موسى التنين حين دفع إليه الغنم وولادة الغنم الدرع حين وعده أن يكون له الدرع من أولادها والدرع بوزن الصرد وهي الغنم التي أوائلها سواد وأواخرها بياض ووقوع عصا آدم عليهالسلام على يده في المرات السبع وغير ذلك من الآيات لأن هذه كلها كانت قبل أن يستنبأ موسى عليهالسلام فكانت معجزة لشعيب وهذا أولى من جعله كرامة لموسى أو إرهاصا : وهو علامة تظهر قبل النبوّة وقيل : أراد بالبينة الموعظة وهي قوله تعالى : (فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ) أي : أتموهما (وَلا تَبْخَسُوا) أي : تنقصوا (النَّاسَ أَشْياءَهُمْ) فتطففوا الكيل والوزن يقال : بخس فلان الكيل والوزن إذا نقصه وطففه.
فإن قيل : هلا قال المكيال والميزان كما في سورة هود؟ أجيب : بأنه أراد بالكيل آلة الكيل وهو المكيال أو سمى ما يكال به بالكيل ، أو أريد وأوفوا كيل المكيال ووزن الميزان وإنما قال (أَشْياءَهُمْ) لأنهم كانوا يبخسون الناس كل شيء في مبايعاتهم أو كانوا مكاسين لا يدعون شيئا إلا مكسوه كما يفعل أمراء الجور (وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) أي : بالكفر والمعاصي (بَعْدَ إِصْلاحِها) أي : بعدما أصلح أمرها وأهلها الأنبياء وأتباعهم بالشرائع (ذلِكُمْ) أي : الذي ذكرت لكم وأمرتكم به من الإيمان ووفاء الكيل والميزان وترك المظالم والبخس (خَيْرٌ لَكُمْ) أي : مما أنتم عليه من الكفر وظلم الناس (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أي : مصدّقين بما أقول لكم ومعنى (خَيْرٌ لَكُمْ) أي : في الإنسانية وحسن ما يتحدّث به وجمع المال لأنّ الناس ترغب في متاجرتكم إذا عرفوا منكم الأمانة والتسوية.
(وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ) أي : طريق من طرق الدين (تُوعِدُونَ) أي : تمنعون الناس من الدخول فيه وتهدّدونهم على ذلك وذلك أنهم كانوا يجلسون على الطرقات فيخبرون من أتى عليهم أنّ شعيبا الذي تريدونه كذاب فلا يفتنكم عن دينكم وقيل : كانوا يقطعون الطريق على الناس أو يقعدون لأخذ المكس منهم وقوله تعالى : (وَتَصُدُّونَ) أي : تصرفون الناس (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي : دينه (مَنْ آمَنَ بِهِ) دليل على أنّ المراد بالطريق سبيل الحق.
فإن قيل : صراط الحق واحد قال تعالى : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) [الأنعام ، ١٥٣] فكيف قيل : بكل صراط؟ أجيب : بأنّ صراط الحق وإن كان واحدا لكنه يتشعب إلى معارف وحدود وأحكام كثيرة مختلفة وكانوا إذا رأوا أحدا يشرع في شيء منها أوعدوه وصدوه (وَتَبْغُونَها) أي : تطلبون الطريق (عِوَجاً) أي : تصفونها للناس بأنها سبيل معوجة عن الحق غير مستقيمة لتصدّوهم عن سلوكها والدخول فيها أو يكون ذلك تهكما بهم وأنهم يطلبون لها ما هو محال فإنّ طريق الحق لا يعوج (وَاذْكُرُوا) نعمة الله عليكم وآمنوا به (إِذْ كُنْتُمْ